الكاتبة الكويتية المبدعة شمايل بهبهاني درست الأدب الفرنسي في جامعة السوربون في فرنسا، وتسلحت بثقافة واسعة أهلتها للمساهمة في إنشاء دار بلاتنيوم للكتاب، بالتعاون مع شباب كويتيين طموحين. وتوضح بهبهاني، في حوار خصت به «الخليج» أن فكرة «بلاتنيوم بوك» قامت على توجيه الشباب إلى القراءة، وقالت: «سعينا إلى أن نجعل الجمهور يقف منتظرا للحصول على كتاب مثلما يقف في طابور الخبز». ونشرت شمايل مجموعة قصصية اسمها «الذين رأوا الحقيقة»، وهي بصدد كتابة رواية «نور» التي تتطرق إلى احدى القضايا الحساسة في المجتمع، وعن ذلك تبين «اذا نحن لم نتحدث عن القضايا الشائكة في المجتمع الذي نعيش فيه فمن الذي سيتحدث عنها؟!». وفيما تؤكد أن سقف الحرية في الكويت مرتفع جدا، تستهجن «سعى البعض إلى الحد من الحريات خاصة بعض نواب مجلس الأمة»، معربة عن املها في التخفيف من «مقص الرقيب»، حتى لا ييأس الكتاب من قرارات المنع التي تصيبهم بالخسارة المادية والمعنوية. وهنا تفاصيل الحوار مع الكاتبة المبدعة:
< بداية عرفينا بنفسك؟
ـ شمايل بهبهاني مدير إدارة العلاقات العامة في دار بلاتنيوم بوك للنشر والتوزيع، درست الأدب الفرنسي في جامعة السوربون في فرنسا، وعند عودتي إلى الكويت التقيت بإدارة بلاتنيوم بوك، وهم شباب من الكويتيين المثقفين، وتم الالتقاء بهم من خلال دورة للكتابة الإبداعية وقررنا إنشاء دار بلاتنيوم للكتاب منذ عام 2009.
< في أي أتجاه تخصصت دار بلاتينويم بوك؟
ـ في البداية تخصصنا في أدب الخيال العلمي لأنه لم يكن موجودا، ثم توجهنا إلى الأعمال الاجتماعية والدراما، وأصبح لنا جمهور قوي وعريق.
< هل اقتصرت الدار على الكتاب الشبابي فقط؟
ـ في بداية أعمالنا كان كتابنا من الشباب، ثم دعينا الشاعرة الكويتية المعروفة الاستاذة سعدية مفرح لنشر كتاب لها لدينا، وقامت بتلبية الدعوة، وكان ديوانا شعريا بعنوان «اتبعيني يا غزالة»، وكانت أول خطوة من أديبة كويتية معروفة تشارك في دار نشر شبابية في بداية نشأتها، ومن ثم انضم إلينا الكاتب الكبير اسماعيل فهد إسماعيل برواية «الحبل»، ونشر لدينا مسرحية باسم « السلام»، وكذلك انضم إلينا الروائي الكويتي الكبير طالب الرفاعي، أما بالنسبة لي أنا فقمت بنشر مجموعة قصصية اسمها الذين رأوا الحقيقة.
< ما هي الأعمال التي تقومين بها حاليا؟
ـ حاليا أنا بصدد كتابة رواية باسم «نور» وتتطرق إلى احدى القضايا الحساسة الموجودة في المجتمع، وأناقشها بوضوح من خلال الرواية، وإذا نحن لم نتحدث عن القضايا الشائكة في المجتمع الذي نعيش فيه فمن الذي سيتحدث عنها؟ والكاتبة الكويتية عليها رقابة من قبل الرقيب، إضافة إلى الرقابة الاجتماعية كونها فتاة، وأسعى إلى أن أكتب الرواية كما حدثت في الواقع ولن أتوقف.
< من أين أتت لكِ فكرة هذه الرواية؟
ـ الرواية تتحدث عن «زنا المحارم»، وهي قصة واقعية، وأنا سعيت فيها وقابلت خلال بحثي عدة دكاترة نفسيين منهم دكتورة أميركية كانت تعمل في الكويت، ومن أجل أن أصل إلى مشاعر هذه الشخصية، كان عليَّ أن أجري عدة مقابلات مع المعنيين بهذه القضايا، وقابلت الأطباء النفسيين الذين قابلوا بعضا ممن وقعت عليهم مثل هذه الحوادث.
< لماذا اخترت اسم نور للرواية الجديدة؟
ـ اخترت الاسم وهو اسم البطلة في الرواية، فهي فتاة سوف تبعث النور في محيطها المظلم، وشجعني الروائي الكبير الأستاذ اسماعيل فهد إسماعيل على هذه الفكرة، وقابلت خلال بحثي أربع شخصيات وقع عليهن هذا الاعتداء.
< هل كان هناك قبول من الشخصيات الأربع للحديث عن مأساتهن؟
ـ كان هناك تحفظ لكن مع الاستمرار سعيت إلى معرفة حقيقة هذه الحادثة التي تعرضت لها أولئك الفتيات.
< هناك الكثير من النقاد يعترضون على المسلسلات التي تتحدث عن مثل هذه الاعتداءات، فلماذا الكاتب دائما يبحث عن مثل هذه القضايا؟
ـ في اعتقادي أن بحث الكاتب عن هذه القضايا يأتي من كونها حالات إنسانية، لذلك تستحق أن يتم عرضها بمختلف الوسائل لنضيء هذه الجوانب المظلمة.
< عرفينا على أهم مشاكل وهموم الكاتب الكويتي؟
ـ المفترض أن سقف الحرية في الكويت مرتفع جدا، لكن ما نراه من خلال الممارسة عكس ذلك تماما، فهناك من يسعى إلى الحد من الحريات خاصة من قبل بعض نواب مجلس الأمة، لذلك لا بد أن يتم إعادة النظر في الرقابة، فالكاتب عليه أن يكون رقيبا على نفسه قبل أن يكون عليه رقيب من قبل الجهة الحكومية، وطالما أن الإنسان لديه بداخله قيم يعيش من خلالها، فهذه القيم سوف تنعكس عليه خارجيا، لكنني أرفض أن يأتي رقيب ويحد من اختياراتي في القراءة أو الكتابة، فهذا الأمر به هضم للحقوق، ففي فرنسا موجود كل شيء والاختيار يقع على الإنسان نفسه، فهو من يختار ماذا يقرأ ويكتب، وأتمنى أن يطبق هذا الشيء هنا.
< ما تقييمك لهذه التدخلات؟
ـ هناك بعض التدخلات تكون في مكانها، لأن بعض الكتب تحمل «شوية» إشارة إلى السياسة أو الدين أو الجنس، لكن هناك بعض التدخلات الأخرى تدخلات شخصية، فعلى سبيل المثال كتاب «عاشق في الطب النفسي» صرح به من قبل وزارة الإعلام، إلا أنه بعد نشره على موقع التواصل تويتر حدثت ضجة حول الكتاب، وتم منع الكتاب وسحبه من الأسواق، والكتاب لا يتطرق إلى مثلث « الجنس والسياسة أو الدين»، وعلى الرغم من ذلك تم منع الكتاب، وبشكل شخصاني، لكننا في دار بلاتنيوم بوك نراعي هذه الحدود.
< ما هي مواصفات الكاتب الناجح من وجهة نظرك؟
ـ الكاتب الناجح هو شخص بلا مواصفات، عليه أن يكون جريئا، مغامرا، عليه أن يعيش القصة، يسعى وراءها، ومن الروايات الناجحة للكاتب سعود السنعوسي ساق البامبو، وعندما أراد أن يكتبها سافر إلى الفلبين، وهناك الكثير من الناس لا يعرفون ذلك، إلا أنه ذهب إلى الأحياء التي تحدث عنها في القصة، وكان يفترض أن الجزء الذي يتحدث فيه عن الكويت يشغل الحيز الأكبر من الرواية، إلا أنه عندما ذهب إلى الفلبين أصبح الجزء الأكبر في الرواية يتحدث عن الفلبين، لذلك الرواية نجحت، لأنه اشتغل على نفسه فيها، كذلك رواية «لا تقصص رؤياك» لعبدالوهاب الحمادي، فأرى أن المؤلف الناجح هو الشخص الذي يتعايش مع الوضع وتكون قصته ملامسة للواقع، والكاتب الناجح هو قارئ ناجح، فهو قارئ بالدرجة الأولى.
< ما الوقت الذي تستغرقينه أمام الكتاب يوميا؟
ـ على حسب الكتاب الذي أقرأه، فهناك كتب تأخذ مني الكثير من الوقت لأنها كتب مشوقة، وأريد أن أنهيها للنهاية، فكتاب في حضرة العنقاء والخل الوفي من الكتب المشوقة جدا، التي تستهوي القارئ، والأمر يتعلق بحسب كل كتاب ومضمونه، وأنا أسافر كثيرا إلى المعارض المختلفة، ودائما ما أحرص على استغلال فترة الطيران في قراءة الكتب، ومن الحوادث الطريفة التي مررت بها وأنا قادمة من معرض مسقط إلى الكويت، عندما أتيت من معرض الكتاب فتحت الكتاب في الطائرة، وأتت إليَّ بنت معها طفلة صغيرة، وقالت لي أشعر بأنك وحيدة من أجل ذلك تقرأين في الكتاب، وهذه الكلمة استغربت منها، ولا أعرف لماذا العرب يأخذون فكرة أن الشخص الذي يقرأ كتابا هو شخص وحيد، في حين أن الحقيقة أنني أبحث عن الوقت من اجل قراءة كتاب.
< إحدى الدراسات تقول ان الأمة الإسلامية تقدمت في السابق لأنها كانت تقرأ بخلاف اليوم فأمة «اقرأ» لا تقرأ، فما تعليقك على ذلك؟
ـ من أجل ذلك أول أية بلغ بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم « أقرأ» وعندما قال الرسول «ما أنا بقارئ» فلفظ «ما» لا يعني النفي، أي لا يعني أن الرسول محمد لا يقرأ ولا يكتب، بل المراد منها ماذا أقرأ، ودليل ذلك قول الله على لسان جبريل «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، لذلك نشدد على أن القراءة أمر مهم جدا، وأعتقد أن الشباب الآن أصبح لديه توجه لكي يقرأ، وفكرة بلاتنيوم بوك قامت على توجيه الشباب إلى القراءة، فسعينا إلى أن نجعل الجمهور يقف منتظرا للحصول على كتاب مثلما يقف على طابور الخبز، وهذه كانت رؤيتنا منذ عام 2009، وهذا كان حلما وحققناه.
< كيف قمتِ بتحقيق هذا الهدف؟
ـ عند دراستنا للمشروع لإقامة شركة، بحثنا عن سبب عزوف الشباب عن القراءة في الكويت، وعند البحث اكتشفنا أن الشباب الناشئة لا يوجد كتاب لهم، فهناك أسماء مشهورة في الكويت، والجيل الحديث لا يوجد لديه من يكتب له، فقمنا بإقامة دورات، وأتينا بكتاب شباب لديهم الموهبة، ونشرنا لهؤلاء الشباب وكان لهم جمهور، ووضعنا مسؤولين مبيعات شباب ومن نفس الجنسية التي نقيم بها المعرض، فإذا ذهبنا إلى مصر، على سبيل المثال، وضعنا مسؤولين المبيعات من مصر، لكي يشعر القارئ بأن هذا الشخص قريب منه، إضافة إلى أنه يقرأ الكتب، فنعطي لمسؤولي المبيعات فرصة قبل المعرض بقرابة شهر لقراءة الكتب، لكي يعطي لمن يريد الشراء فكرة عن الكتاب وما به من معلومات، لذلك أصبحنا في التسويق في درجة ممتازة، لأننا عالجنا الكثير من النقاط في هذا الجانب.
< ما هو طموحك مستقبلا؟
ـ طموحي حاليا أن يخف علينا مقص الرقيب، وأطمح إلى ألا ييأس الكتاب من قرارات المنع التي تصدر لبعض كتاباتهم، لأن مثل هذه القرارات تصيبهم بالخسارة المادية والمعنوية، وأطمح إلى أن يهتم الكتاب الشباب بما يكتبون.
< من شروط الكاتب الناجح أن يكون موهوبا إضافة إلى التعب والمثابرة على عمله فكيف تقيمين هذه الأدوات؟
ـ أعتقد أن الأهمية تأتي في الدرجة الأولى للقراءة، فالقراءة أعطيها ألف في المائة، والموهبة إذا كانت موجودة بنسبة عشرين في المائة يستطيع أن يطورها إلى نسبة أربعين في المائة، وعمل الإنسان واجتهاده على ما يقوم به والمثابرة عليه أعطيه نسبة ثمانين في المائة.
< هناك من الناس من يلجأ إلى الكتب الإلكترونية، فهل هذا الأمر له تأثير عليكم كشركة لنشر الكتب؟
ـ لا لم يكن لهذا الأمر تأثير علينا، لأن الكتاب الورقي يبقى له طعمه الخاص، وحاليا نسعى إلى التعاقد مع شركات إلكترونية لكي يكون لدينا الكتاب الإلكتروني مع الكتاب الورقي، إلا أن هذا الأمر ليس له تأثير على الكتاب الورقي، بخلاف الصحف، فالجرائد الإلكترونية لها تأثير على الصحف الورقية بشكل مباشر.
< كيف تقيمين المكتبات الموجودة في الكويت؟
ـ المكتبات الكويتية بها كتب قيمة، لكنها ديكور، فالمكتبات الحقيقية هي من تأتي بكتب قيمة تأتي إلينا من الخارج، والكتب الموجودة في المكتبات مكررة.
< ما الرسالة أو النصيحة التي توجهينها إلى الكتاب الشباب؟
ـ أنصحهم بالقراءة وليس فقط الكتب المحلية، فالإنسان إذا أراد أن يبدع عليه أن يعرف ما يوجد في السوق من أجل أن يقدم الأفضل دائما، الأمر الثاني عليه أن يحفظ حقوقه قبل أن يقدم النص، لأن هناك هضما لحقوق الكاتب في الوطن العربي، الأمر الآخر أن يتعب على لغته العربية، فهناك أخطاء تصل إلينا، ومن يكتب باللهجة العامية حدث ولا حرج في هذا الأمر، والكاتب إذا أراد أن يقرأ روايته من في شتى الدول العربية عليه أن يكتب بلغة عربية يفهمها الجميع، وإلا من الصعب أن يفهم قارئ سوداني على سبيل المثال ما يكتب بالعامية الكويتية، أو يكتب بلهجة بيضاء مثل اللهجة المصرية التي يفهمها الجميع، من خلال الأفلام والمسلسلات المنتشرة في الوطن العربي، وأنصح الشباب بأنه ليس كل ما يكتب عن دور النشر أمر صحيح، فهناك حسابات تتم ومسؤوليات تقع على دور النشر، هناك أموال تدفع إلى المؤلف وإلى المطبعة، والشحن والمعارض التي تقام في الخارج، والديكور الذي يقام في المعارض، وكل هذه مصروفات تدفع، وهدفنا الأول هو نشر الثقافة، وأحيانا ندفع من جيوبنا لنشر الثقافة.
< كلمة أخيرة لمن توجهينها؟
ـ أشكر جريدة «الخليج» الكويتية ورئيس التحرير السيد أحمد إسماعيل بهبهاني على هذه الفرصة والسعة للحديث عن هموم الكاتب الكويتي.