استحوذت الأوامر الملكية الأخيرة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على قدر كبير من الاهتمام على كل الأصعدة، المحلية السعودية والإقليمية والدولية، وكان ذلك أمرا طبيعيا، لأنها شكلت نقلة مهمة في مسيرة المملكة، ودشنت انتقالا طبيعيا وسلسا للحكم من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ إلى جيل الأحفاد الذين استحقوا بجدارة شرف حمل الراية من آبائهم، بعد أن سجلوا خلال الفترة القليلة الماضية حضورا قياديا، سياسيا وعسكريا واجتماعيا، ولفتوا الأنظار بقوة، عبر إدارتهم أكثر من معركة مصيرية خاضتها المملكة، وكانت خلالها في حاجة ماسة إلى مثل هؤلاء القادة الحازمين والمتفتحين أيضا.
وفي اعتقادنا أن أحدا لا يمكنه أن ينسى الدور الذي قام به سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف، في قيادته خلال السنوات العشر الأخيرة، المعركة الحاسمة ضد الإرهاب، والتي لفتت إليها أنظار العالم، ونوهت بها مختلف المنظمات الدولية، وفي صدارتها هيئة الأمم المتحدة،
لأنها حققت نجاحا كبيرا ورائدا في ردع القوى التخريبية، وبسط الأمن والاستقرار في ربوع المملكة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على معايير حقوق الإنسان، ومن دون مصادرة للحريات، أو فرض قوانين أمنية تعسفية، بل إن الداخلية السعودية أوجدت أساليب مبتكرة ومتطورة لمكافحة الإرهاب، نقلتها عنها دول أخرى بعد ذلك، من بينها لجان المناصحة، التي مارست دورها حتى في داخل السجون، وعقدت مع المحبوسين في قضايا إرهابية جلسات عديدة، وحققت نتائج مذهلة أفضت إلى تراجع آلاف الشباب عن تبنيهم منهج العنف والتطرف والإرهاب، ومن ثم خروجهم من السجن، وإعادة دمجهم في المجتمع ليصبحوا مواطنين صالحين، يشاركون في بناء مجتمعهم وليس هدمه أو تخريبه، وهو ما دفع الإعلام العالمي إلى أن يطلق على الأمير محمد بن نايف لقب «جنرال الحرب ضد الإرهاب»… وعندما ينال سموه ثقة خادم الحرمين، ومن ثم مبايعة الأسرة الحاكمة والشعب السعودي، وليا للعهد، فإنه بالتأكيد منصب رفيع صادف أهله، بشهادة الجميع.
الأمر نفسه مع القائد الشاب سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، الذي لفت الأنظار بقوة، عبر قيادته وإدارته معركة «عاصفة الحزم»، والتي شكلت تحديا مصيريا ليس فقط للمملكة وحدها، بل أيضا لكل دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما أن إستراتيجيتها قامت على أساس تأمين حدود دول المجلس، والحفاظ على المصالح الحيوية لهذه الدول، وحماية أمن واستقرار المنطقة… وكان منوطا بإدارة تلك المعركة مسؤوليات جسيمة أخرى، تتمثل بالدرجة الأولى في حماية أرواح اليمنيين، والحفاظ على البنية التحتية لليمن بأقصى قدر مستطاع، وعدم تعطيل عجلة الحياة اليومية، وفي الوقت نفسه التأكيد على أن الهدف النهائي ليس القضاء على طرف بعينه أو تدميره، بل إقناع جميع القوى السياسية بالعودة إلى مائدة الحوار والتوافق على مستقبل آمن ومستقر لدولتهم وشعبهم.
ولا جدال في أن الجميع يشهد للأمير محمد بن سلمان بالنجاح الهائل، في إدارة «عاصفة الحزم»، وفق تلك الضوابط والمعايير التي ألمحنا إليها، ما جعله محل ثقة خادم الحرمين لتولي منصب ولي ولي العهد، ومبايعة الأسرة الحاكمة والشعب السعودي له، وتعليق الآمال عليه وعلى أخيه سمو الأمير محمد بن نايف بأن يشكلا القيادة الشابة الناجحة للمملكة، تحت ظل خادم الحرمين الشريفين، وبمباركة من الأسرة والشعب الشقيق.
ومن المهم أيضا أن نتوقف عند ما تضمنته الأوامر الملكية من تولية السفير عادل الجبير منصب وزير الخارجية، وهو الذي كان يشغل موقع سفير السعودية في واشنطن، في ترجمة لرغبة المملكة بتجديد حيوية ديبلوماسيتها، تلك الديبلوماسية التي ينتظرها الكثير خلال الفترة المقبلة، في ضوء ما تحقق للسعودية من مكانة وريادة إقليميا ودوليا، عبر التجارب المهمة التي خاضتها أخيرا، مع الإقرار بالطبع بالدور الكبير الذي أداه سمو الأمير سعود الفيصل طوال أربعة عقود في قيادة الديبلوماسية السعودية، والذي سيظل له الإشراف عليها وتوجيه النصح والإرشاد للقائمين عليها، فضلا عن القيام بما يكلفه به خادم الحرمين من مهام خاصة.ولا يغيب عن البال أيضا ما صدر من قرارات ملكية بإعفاء بعض الوزراء الذين لم تمض سوى فترة قليلة على شغلهم مناصبهم، وذلك تجاوبا مع توجهات الرأي العام الذي أحس بعدم الرضا عن أدائهم، ومدى تجاوبهم مع الجماهير، وهو ما يؤكد أنه لا مكان في حكومة المملكة ومناصبها القيادية، إلا للعاملين الجادين المخلصين، والمتلمسين لهموم مواطنيهم والقادرين على معالجتها في الوقت نفسه.
إننا نستشعر طمأنينة كبيرة على مستقبل المملكة، وعلى تضافر عنصر الخبرة مع الشباب في قيادتها، ونوقن بأنها ماضية في الطريق الصحيح، قائدة ورائدة لأشقائها من دول مجلس التعاون الخليجي، وساعية بكل أمانة وإخلاص إلى ترسيخ أمن واستقرار المنطقة، وستجد – لا شك – تعاونا كبيرا في هذا الشأن من أشقائها في المجلس، ومن كل الدول العربية الشقيقة.