لم يبالغ وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، حين وصف القمة التي جرت بين قادة مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأميركي باراك أوباما في كامب ديفيد، الأسبوع الماضي، بأنها قمة «تاريخية» و«غير مسبوقة»، فقد كانت بالفعل كذلك، ليس فقط لأنها الأولى من نوعها بهذا المستوى، بل أيضا لما حققته من نتائج، سيكون لها بالتأكيد آثارها المهمة على مستقبل العلاقات بين الجانبين.
ومن الواضح أن هناك عوامل عديدة ساعدت على أن تعزز من أهمية هذه القمة، وتثير تطلعات الكثيرين إلى ما سيكون عليه مستقبل العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة… وكان من أهم هذه العوامل أن علاقات الطرفين شابتها بعض السلبيات خلال الفترة الماضية، وأثيرت حولها أقاويل كثيرة مفادها أن واشنطن ضحت بحلفائها من دول الخليج، لمصلحة تقاربها مع إيران، وعقدها معها اتفاقا إطاريا يمهد لاتفاق نهائي حول برنامجها النهائي، وهو ما خشيت معه دول «التعاون» أن يخل ذلك بالتوازنات في المنطقة، ويؤثر سلبا على أمنها واستقرارها… ولا شك في أن واشنطن كانت بدورها معنية تماما بألا يسيء حلفاؤها من الدول الخليجية فهمها، وألا يذهبوا بعيدا في تصور أنها يمكن أن تتخلى عن مساندة ودعم استقرارهم.
وفي اعتقادنا أن القمة نجحت إلى حد كبير في تجسير الفجوة بين الجانبين، وبرهنت على أن العلاقة بينهما علاقة إستراتيجية وحيوية وشديدة الأهمية لكليهما، وأن أي طرف لن يقبل بالتفريط فيها أو التضحية بها… لكن بالطبع ستكون مجازفة لو اعتقدنا أن القمة حققت كل أهدافها، أو أزالت مختلف الرواسب في طريق العلاقات المشتركة، حيث لايزال أمام الجانبين كثير من العمل والجهد، من أجل إثبات أنهما على الطريق الصحيح.
وعلى الرغم من ذلك فإن في استطاعتنا أن نقرر مطمئنين أن دول مجلس التعاون الخليجي أرست عددا من المبادئ المهمة في هذه القمة، أولها وأهمها أنها ليست على استعداد لأن تكون الطرف الذي يتلقى «التوجيهات»، أو تملى عليه أمور معينة، وإنما هي طرف فاعل ومبادر وقادر على اتخاذ القرارات، وأنه يعد نفسه شريكا أساسيا وليس تابعا أو ملحقا بأحد، ومن ثم فإن على كل القوى الكبرى أن تتعامل معها على هذا النحو… فضلا عن أن دول التعاون ترفض أن ترتكن إلى تعهدات لفظية للتأكيد على قوة العلاقة ومتانتها، وإنما تريد سياسات وبرامج قطعية وملزمة، وتسعى إلى شفافية تامة في العلاقة، بحيث لا يمكن لأي طرف التنصل من تعهداته والتزاماته… ولعل ذلك قد تجلى واضحا في تأكيد الرئيس الأميركي أوباما بأنه «إذا تعرضت دول الخليج لتهديد سندرس استخدام القوة العسكرية للدفاع عنها».
وإذا كان أوباما نفسه قد قال: «أريد أن أكون واضحا جدا، أن الهدف من التعاون الأمني ليس إدامة أي مواجهة مع إيران أو حتى «تهميشها»، وأن «الهدف هو إقامة علاقات إقليمية أفضل عندما تغير إيران تصرفها»، فإن ذلك يتفق أيضا مع سياسات وتوجهات الدول الخليجية التي أكدت مرارا وتكرارا أنها لا تريد عداوات مع إيران، ولا تسعى إلى إثارة الأزمات معها، بل على العكس فإنها ترغب في علاقات تعاون كاملة معها، بحيث تقوم على أساس احترام كل طرف للآخر وعدم التدخل في شؤونه.
وعندما يؤكد البيت الأبيض، في بيان له حول القمة، أنه سيتم «تعزيز التعاون في المجال الأمني ولاسيما على صعيد مراقبة نقل الأسلحة ومكافحة الإرهاب والأمن البحري والأمن المعلوماتي والدفاع المضاد للصواريخ البالستية»، فإننا نكون إزاء دولة عظمى تدرك تماما أن شراكتها مع الدول الخليجية هي من أجل مصلحة الجانبين ولخير شعوبهما، وهي الرسالة المهمة التي نجحت دول مجلس التعاون في إيصالها بقوة، عبر محادثات كامب ديفيد.