في أكتوبر 2013 قدم السفير سالم غصاب محمد الزمانان أوراق اعتماده سفيرا لدولة الكويت في جمهورية مصر العربية، وبدأ مهام عمله في ظل ظروف دقيقة تمر بها مصر، وعايش لحظة بلحظة ملامح تلك المرحلة؛ ليكون شاهدا على واحدة من اهم وأبرز المراحل الانتقالية التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث.
السفير سالم غصاب الزمانان ديبلوماسي كويتي مخضرم، انتظم في العمل الديبلوماسي الكويتي الذي حدد أسسه وصاغ قواعده سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد لما يقرب من ربع قرن، حافلة بالنجاح والجهد الوفير، وتنقل خلالها بين اكثر من عاصمة، فكان سفيرا لبلاده في الأرجنتين، ثم جنوب أفريقيا، ثم في اليمن، ثم اصبح سفيرا في سلطنة عمان حتى سبتمبر 2013، لينتقل منها للعمل في القاهرة… وفي السطور التالية نعيد نشر حوار أجرته مجلة «ديبلوماسية» المصرية مع السفير الزمانان تحدث فيه عن تطلعاته لتطوير العلاقات بين مصر والكويت وعن ترحيب الكويت بكل المبادرات التي تستهدف تطوير العلاقات مع مصر إلى جانب أهمية تطوير التبادل التجاري بين مصر والكويت ليتواكب مع طموحات البلدين.. وإلى التفاصيل:
< بداية ما رؤيتكم للعلاقات المصرية – الكويتية؟
ـ يعلم كل المتابعين والمؤرخين أن علاقات البلدين عريقة وليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، وقد بدأت علاقات البلدين على المستوى الشعبي قبل أن تبدأ على المستوى الرسمي مع منتصف القرن الماضي، حينما انخرط طلاب العلم الكويتيون، الذين وصلوا القاهرة للدراسة في الحياة الثقافية المصرية، كما ذهب من مصر للكويت ابتداء من عام 1913 عدد من المفكرين المصرين، واستُقبلوا استقبالا عظيما، فالتقوا أهل البلاد وألقوا مجموعة محاضرات، وعادوا بانطباعات ايجابية عما شاهدوه بالكويت في هذا الوقت.
< للصندوق الكويتي للتنمية أياد بيضاء عديدة على كثير من القطاعات الاقتصادية في مصر.. ماذا عن دور الصندوق في المرحلة القادمة؟
ـ أنشئ الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية عام 1961 ليكون أداة للتنمية والتواصل مع الدول الشقيقة والصديقة، ورُصدت له ميزانيات كبيرة من عائدات النفط، ومنذ إنشائه قدم الصندوق 40 قرضا لمصر، بقيمة تتجاوز ملياري دولار، كان آخرها متعلقا بتطوير قطاعي السكك الحديدية وانتاج الطاقة الكهربائية، وكما هو واضح فإن الصندوق يسارع إلى دعم القطاعات الملحة، التي تتطلب تمويلا عاجلا، كما قدم الصندوق عددا من المنح الفنية لتمويل دراسات الجدوى لمشروعات تنموية متنوعة، والتعاون بين مصر والصندوق لا يتوقف حيث تتسم قروض الصندوق بسمات إيجابية عديدة تجعلها اقرب إلى المساعدات التنموية؛ إذ تتميز بفترة سماح طويلة ومصروفات ادارية بسيطة لا تتجاوز 3 في المائة، وعادة ما تتجه إلى دعم قطاعات حيوية مثل مهمة، مثل الكهرباء والطاقة والصناعة والنقل والمياه والصرف الصحي والغاز الطبيعي.
< المكتب الكويتي للمشروعات الخيرية يعد إحدى قنوات التعاون المتميزة بين البلدين… ماذا عن التعاون في هذا المجال؟
ـ يرتبط البلدان بعلاقات مميزة في مجال الدعوة، وهناك تزايد ملحوظ منذ عام 1994 في علاقات البلدين في هذا المجال، وذلك عقب توقيع بروتوكول التعاون أواخر عام 1993، حيث اكتسب التعاون بينهما في هذا المجال اتجاها اكثر حيوية، وإلى جانب الوفود والبعثات التي يرسلها الأزهر الشريف للكويت، في شكل وعاظ ودعاة، وإيفاد أعداد من طلبة الكويت إلى مصر لتلقي علوم الفقه والدين في رحابه، فإن هناك تعاونا كبيرا في مجال بناء المساجد التابعة للأوقاف وترميمها، علاوة على تشييد المعاهد الأزهرية والمجمعات الخدمية المتكاملة في مختلف محافظات مصر، هذا بالإضافة إلى سلسلة من البرامج الإنسانية التي يرعاها المكتب الكويتي للمشروعات الخيرية، مثل كفالة طلبة العلم واليتيم والأضاحي ومساعدات الأسر المحتاجة والمساعدات الطبية.
< هل واجهتك صعوبات في بداية عملك كسفير في القاهرة؟
ـ أعتقد أن كل ديبلوماسي كويتي، بل وعربي، يكلف بالعمل بالقاهرة يكون محظوظا، فهو بين أهله ولم يغادر وطنه، فلا صعوبات لغوية أو ثقافية، ولا مشكلة في التأقلم والتواصل، الناس طيبون والمسؤولون متعاونون ولا تشعر بالغربة على الإطلاق، وإذا اشتد بك الحنين إلى الوطن، فخطوط الطيران متاحة في كل وقت.
< هل ترى ان التبادل التجاري بين البلدين يتواكب مع التعاون في المجالات الأخرى؟
ـ يشهد حجم التبادل التجاري بين مصر والكويت نموا واضحا ووصل إلى نحو 3 مليارات دولار في العام 2013/ 2014، محققا ارتفاعا من نحو 2.9 مليار دولار عام 2012/ 2013، ولكنا نرى أن التبادل التجاري لا بد من ان يتطور بشكل اكبر ليتواكب مع نمو التعاون في المجالات الأخرى، حيث ان معظم عناصر التجارة عبارة عن صادرات مواد بترولية بقيمة تزيد على 2.6 مليار دولار، علاوة على ذلك فإنها لا تمثل سوى 3.5 في المائة من اجمالي تجارة مصر الخارجية مع العالم، والبالغة نحو 86 مليار دولار، كما لا تمثل ايضا سوى 2.5 في المائة من اجمالي تجارة الكويت الخارجية البالغة نحو 120 مليار دولار، وأعتقد أن هناك فرصا كبيرة لتنمية حجم التجارة غير النفطية بين البلدين في الفترة المقبلة، خصوصا إذا ما تم تعزيز جهود التسويق للمنتجات المصرية الصناعية والزراعية في الكويت، لاسيما أن مصر تحتل المرتبة الـ 18 في قائمة أهم المصدرين إلى الكويت.
< ما أهم ملامح الدعم السياسي الكويتي لمصر؟
ـ تأتي الكويت في مقدمة الدول العربية التي سارعت بمساندة التطورات السياسية التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة، ووقفت موقفا داعما لآمال وتطلعات الشعب المصري، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، فقد اصدرت الحكومة الكويتية بيانا اكدت فيه دعمها للخطوات الإيجابية للشعب المصري وللحكومة المصرية على طريق ترسيخ دعائم الديموقراطية ودعم الاستمرار في خارطة الطريق التي رسمتها وفقا لبرنامج زمني يكفل الاستقرار ويحفظ لمصر أمنها، وحرصت الكويت على اظهار دعمها في المحافل الإقليمية والدولية، كما تمسكت بمشاركة مصر، ممثلة في الرئيس السابق عدلي منصور، في فعاليات القمة العربية الأفريقية، التي استضافتها الكويت قبل عامين، وأخيرا تابع الجميع مشاركة حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في فعاليات مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري بشرم الشيخ.
< وماذا عن سبل زيادة التدفقات الاستثمارية من الكويت لمصر؟
ـ دائما ما يبدي المستثمرون في الكويت استعدادهم لضخ تدفقات مالية كبيرة إلى مصر، خصوصا انها سوق كبيرة واعدة، وتحظى بنسبة عالية من الخبرات والكفاءات، وقادرة على تجاوز أزمتها، وقد عبر عديد من رجال الأعمال الكويتيين، خلال لقاء جمعهم مع الرئيس عبدالفتاح السيسي إبان زيارته التاريخية للكويت، عن رؤيتهم بضرورة تحقيق الاستقرار وتوفير المناخ الملائم لجذب استثمارات جديدة، وهناك جهود كبيرة تبذل في هذا الصدد، كما رأينا في قانون الاستثمار الجديد، ولا يفوتني هنا أن أشير إلى ما تم قبل أيام من مؤتمر شرم الشيخ وبحضور المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، من توقيع بروتوكول بقيمة 6.8 مليار دولار في مجال البتروكيماويات، كما أن نحو الف شركة كويتية تعمل بمصر في مجالات مختلفة ومتنوعة بشكل يعكس تطور القدرات الكويتية في قطاعات عديدة والاهتمام المتزايد بدعم التنمية في مصر سواء بسواء.
< ما تقييمكم لدور العمالة المصرية في الكويت؟
ـ تفتح الكويت أبوابها للكوادر المصرية، وتوفر لهم أفضل الفرص للعمل في ظل رعاية دائمة من مؤسسات الدولة، وتعتبر الوجهة الثانية المفضلة للعمالة المصرية في دول الخليج العربي بعد المملكة العربية السعودية، حيث يشكل المصريون اكبر جالية عربية تقيم في الكويت، وتصل تحويلاتهم السنوية إلى اكثر من 3.5 مليار دولار، وقد قامت الكوادر المصرية بدور بارز في مسيرة الكويت التنموية خلال منتصف السبعينيات وفترة الثمانينيات، خصوصا في مجالات البناء والتشييد والتعليم والقضاء، كما استمر دورها بعد عام 90 في أعقاب الغزو العراقي للكويت والانتهاء من عملية التحرير، فأدت دورا كبيرا في عملية اعادة الإعمار.
< تمر علاقات البلدين بمرحلة من أزهى عصورها.. هل هناك سبل لتدعيم العلاقات الثنائية ودفعها إلى مرحلة أكبر؟
ـ تستند العلاقات على نظام مؤسسي من خلال اللجنة العليا المشتركة المصرية ـ الكويتية التي تأسست عام 1998، بهدف تحقيق القدر الأكبر من التنسيق والتعاون المشترك، هذا بالإضافة إلى ارتباط البلدين بالعديد من بروتوكولات التعاون في مختلف المجالات، ودائما ما تؤكد دولة الكويت ترحيبها بكل المبادرات التي تستهدف تنمية وتطوير العلاقات الثنائية.
< في السياق نفسه كانت مشاركة سمو أمير الكويت في مؤتمر شرم الشيخ محل تقدير كبير من الشعب المصري… ما تقييمكم لهذه المشاركة؟
ـ كان صاحب السمو أمير البلاد في مقدمة القادة الذين أكدوا مشاركتهم في مؤتمر دعم وتنمية مصر، فالكويت على مر تاريخها لم تتأخر يوما عن تلبية نداء مصر عندما تناديها، وكما تابعنا جميعا، فقد جاءت مشاركة سموه فاعلة وتضمنت رسالة خير ومحبة، وإصرار على مواصلة دعم الشقيقة مصر بكل الصور، وأعتقد أن الرسالة وصلت للجميع.
< التقيتم بالمستشار عدلي منصور عدة مرات خلال فترة توليه مسؤولية الحكم في مصر… ماذا تقولون عنه؟
ـ تولى المستشار عدلي منصور مسؤولياته في ظروف استثنائية، وخلال فترة وجوده قام بثلاث زيارات للكويت في بضعة شهور، الأولى كانت أواخر اكتوبر من العام 2013 لدعم العلاقات الثنائية وتقديم الشكر للكويت لموقفها الداعم للشعب المصر، وأتبعها بزيارة أخرى في نوفمبر من العام نفسه لحضور مؤتمر القمة العربي الأفريقي، وختاما بزيارة في مارس من العام الماضي للمشاركة في الدورة الخامسة والعشرين للقمة العربية.
وخلال هذه الزيارات استقبله صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد والتقت رؤى الجانبين حول أهمية توحيد الصف العربي في مواجهة المخاطر والتحديات، التي تواجه الأمة، كما استقبل المستشار عدلي منصور في القاهرة الشيخ صباح الخالد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية مبعوثا شخصيا حاملا رسالة إلى الرئيس منصور من الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت، وأعتقد أنه قام بدور مهم في حمل أمانة المسؤولية خلال مرحلة حرجة.
< قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارة مهمة للكويت في يناير الماضي حفلت بالعديد من الفعاليات وحظيت باهتمام اعلامي كبير.. كيف تقيمون نتائج هذه الزيارة؟
ـ كان سمو أمير البلاد على رأس المهنئين للرئىس عبدالفتاح السيسي في حفل التنصيب الذي أقيم بالقاهرة بمناسبة تنصيبه رئيسا لمصر في يونيو الماضي، وفي يناير من العام الحالي قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارة تاريخية للكويت اعتبرت فاتحة خير لمرحلة جديدة ومتطورة في علاقات البلدين الشقيقين، حيث استقبله صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، كما التقى مع سمو الشيخ نواف الأحمد ولي العهد وسمو الشيخ جابر المبارك رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ومرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة، وخلال الزيارة التي أكدت تطابق وجهتي النظر في كل القضايا المطروحة، قلد سمو الأمير الرئيس قلادة «مبارك الكبير»، وهي أعلى وسام في دولة الكويت، تقديرا واعتزازا بمواقف الرئيس والمكانة التي يحظى بها في قلوب الشعب الكويتي.
< التعاون الاقتصادي من أبرز ملامح التميز في علاقات البلدين… ماذا عن ملامح هذا التعاون؟
ـ تولي دولة الكويت اهتماما كبيرا بدعم الاقتصاد المصري والنهوض به، وذلك تجسيدا لقناعة مستقرة بأن نهضة مصر وقوتها تعد إضافة للأمة العربية بأسرها، وكان أول اتفاق تم توقيعه بين الطرفين في هذا المجال في أبريل عام 1964، تلاه عدة اتفاقات أخرى منها الاتفاق الموقع بين غرفتي التجارة في يونيو 1977، واتفاق التعاون الاقتصادي والفني عام 1988، واتفاق التعاون الفني في مجال المواصفات والمقاييس ومراقبة الجودة في العام نفسه، والكويت يمكن أن تكون مصدرا للاستثمار في مصر، كما أنها تعتبر سوقا تجارية تشكل منفذا مهما للصادرات المصرية، حيث يزيد حجم التبادل التجاري حاليا عن 3 مليارات دولار، ومن المتوقع ان يزداد بعد الدفعة التي اكتسبتها علاقات البلدين خلال المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ.