لم يعد يفصلنا عن موعد افتتاح دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمة، وعودة الحياة البرلمانية، سوى أسبوعين فقط، وهو ما يستوجب أن نحدد أولوياتنا بدقة، وأن يعمل الفريق النيابي ـ الحكومي الذي يبحث هذا الأمر، على أن تكون هذه الأولويات مواكبة للواقع، وموافقة لتطلعات المواطنين واهتماماتهم، ومعبرة بصدق عن القضايا التي تشغل الكويت وشعبها.
نقول ذلك ونحن نلاحظ أن العديد من النواب قد بدأوا «يسنون سكاكينهم» لتصعيد عدد من الوزراء على منصة الاستجواب… ولا مشكلة لدينا على الإطلاق في استجواب وزير أو أكثر، فهذا حق دستوري لا يجادل فيه أحد، لكن المهم أن ينأى النائب المستجوب بنفسه عن الشخصانية، وأن يعي جيدا أن الاستجواب هو «أداة» دستورية، وتسميته بـ «الأداة» تعني أنه «وسيلة» وليس غاية… وسيلة لتحقيق أهداف أكبر وأهم بكثير من مجرد صعود المنصة، واستعراض القدرات الخطابية لطرفي الاستجواب، والهدف الحقيقي، أو الذي ينبغي أن يكون كذلك هو «الإصلاح» بمعناه الشامل والمتكامل، والذي يسهم في تعزيز استقرار الكويت وازدهارها اقتصاديا واجتماعيا وعلميا ورياضيا، وفي كل مجال.
من الضروري أيضا أن تدرك السلطتان أن المهمة الأكبر والأقدس لديهما، خلال المرحلة المقبلة، هي الحفاظ على أمن الكويت وأمانها، خصوصا أننا أصبحنا وسط محيط إقليمي صاخب ومضطرب، وينذر بتطورات أكبر وأخطر، وقد بات الحديث عن المؤامرات التي تحاك للمنطقة مكشوفا ومفضوحا، وأصبحت «خرائط التقسيم» الجديد لدولها، على غرار ما حدث في اتفاقية «سايكس بيكو»، مذاعة ومنشورة، ولم تعد سرا على أحد.
وقد رأينا أيضا كيف أن الدول الأوروبية حينما استشعرت الخطر على أمنها، ووصلتها التهديدات الإرهابية، فإنها وهي الرائدة في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، لم تجعل من ريادتها تلك مسوغا للتراخي تجاه أمنها… لا بمعنى أنها ضحت بالديموقراطية أو حقوق الإنسان – كما يروج البعض – لكنها طبقت هذه المفاهيم تطبيقا صحيحا، وحققت التوازن المطلوب والحتمي بين المطلبين، الأمن والديموقراطية… ساعدها في ذلك بالطبع وعي شعوبها بأنه لا تناقض بين الاثنين، وإدراكها أنه ما لم تتوافر لها أرضية آمنة ومستقرة، فلن تتحقق لها ديموقراطية أو حرية، بل ستصبح مهددة في وجودها أصلا.
لذلك كله ينبغي ألا تتوه منا الأولويات، أو نصاب بتشوش وغبش في الرؤية، يجعلنا نندفع في اتجاه الاهتمام بالقضايا الثانوية، على حساب القضايا الأكبر والأهم.. وكما ذكرنا فإننا في حاجة ماسة إلى تعزيز أمن الكويت وحمايته بكل الوسائل الممكنة، لأنه الإطار الذي في ظله يمكننا الانطلاق إلى تحقيق الأولويات الأخرى، فالاقتصاد لا يزدهر في دولة غير آمنة، والاستثمار يهرب من أي مكان يتهدده الخوف، والتنمية بنت الطمأنينة، وهو ما نأمل أن يكون أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية على وعي تام به، ونحن مقبلون على دور انعقاد جديد، يتطلع الشعب الكويتي كله لأن يكون دور إنجاز حقيقي، يليق باسم الكويت، وريادتها الاقتصادية والتنموية وباستنارتها الثقافية، التي كانت سباقة بها، ومصدر إلهام لكثير من شعوب المنطقة.