الخليج 
عزيزتي هند، دعيني استعرض معك. ومع السادة القرّاء بعضا من تاريخ سجلنا الحافل في الإدارة الحكومية، فنحن في الكويت كنّا دائما مبادرين في سَن القوانين التي تحكم مناحي حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والحمد لله كنّا من أوائل الدول التي تبنّت والتزمت مخططا هيكليا منذ الستينات من هذا القرن ليحكم العمران ونمط البناء في الدولة، فانتظمت حركة التوسع العمراني ولفترة طويلة، ولكن وبقدرة قادر انفلت عقال الالتزام، فشهدنا فوضى عارمة في تخطيط المناطق وتحديد نسب البناء وتسمية الشوارع، ويكفي أن تستعين بصديق أو أن تتواصل مع أصحاب المصلحة (ولا أقول المرتشين)، لترفع نسب بنائك حتى تعانق ناطحات السحاب، أو تضع اسما عزيزا لديك على الشارع المجاور، ولقد نجحت الفوضى في خلق مبان ومناطق لا تشبهنا، ومن خلالها تُهنا مع التائهين.
– كنّا عزيزتي، من أوائل من أرسى نظم التعليم المتطور، فتقدمنا ولكن سمحنا للتدخل السياسي بأن يطغى على الشأن التعليمي فأمسينا نشهد التسارع للحصول على الشهادة بالتدليس أو التزوير أو الانتساب إلى جامعات ليس لها وجود، فالمعيار هنا هو وجود متنفذ أو صديق في مركز اتخاذ القرار ليحظى أنصاف المتعلمين بالتعيين السياسي، وهذا هو المهم.
– كنّا الأوائل في سن قوانين المرور والالتزام بنظامه، ولكنا اليوم نشهد أكبر فوضى مرورية تتحدى بتأصلها أعتى قوانين المرور وتبدد بسيادتها اجتهاد العاملين في الأجهزة المرورية.
– كنّا عزيزتي هند معروفين ككويتيين بالالتزام والأمانة ونظافة اليد، وأصبحنا اليوم نبحث عن الأمين والنظيف والمخلص في الجهاز الحكومي كمن يبحث عن إبرة في كومة قش.
– ولا يخفى عَلَيْك. أننا كنّا الأوائل في سن قوانين العمل والعمال، ولكن ها هي سجلاتك اليوم أيتها العزيزة تسجل ما ورثته من ثلاثة آلاف شركة وهمية تقتات على إصدار الإقامات، وتتضخم أرصدتها بمخصصات دعم العمالة الوهمية، حتى زادت أعداد الوافدين عن المليونين ونصف المليون، معظمهم من العمالة الأمية الهامشية.
– تدركين ما كنا يا عزيزتي! ولكنك لم تقبلي كيف أصبحنا، وتجرأت. على الوقوف في وجه الفساد وتعديت. بسلطة قرارك. على مصلحة المتنفذين. نسأل الله تعالى أن يكون معك. أيتها العزيزة هند الصبيح، وأنا متأكدة أن كثيرا من المخلصين في هذا البلد الجميل سيقفون معك. ومع كل مخلص نظيف اليد، ويدعون لك وله بالتوفيق والثبات.
