عندما كانت الكويت تبني سورها الأول، في العام 1760، أو سورها الثاني، في 1814، أو الثالث، في 1920، وعندما كان المقاومون الأبطال يخوضون معاركهم ضد المحتل الغاشم في العامين 1990 و1991، لتحرير الكويت وإعادتها إلى أهلها، وعندما كان أحدهم يسقط شهيدا أو جريحا، لم يكن ليخطر ببال أخيه في النضال أن يتحرى عن مذهبه أو عن جذوره.
لم تعرف الكويت، إذن، طوال تاريخها تفرقة من أي نوع بين أبنائها، ويشهد تاريخها القديم والحديث أنها تكون أقوى ما تكون حين تختفي من فضائها تلك النزعات التي تثور بين حين وآخر، وحين تتحدث بلسان كويتي مبين، يضع مصلحة الوطن العليا فوق كل مصلحة، وغايتها فوق كل غاية.
لا يعني ذلك أن نلغي الاختلافات أو التمايزات العرقية والمذهبية، فهذه سنة الله في خلقه، وهو سبحانه القائل «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»… وما من شعب إلا وفيه تلك الاختلافات والتمايزات، وقد تكون سرا من أسرار قوة هذا الشعب وتقدمه، كما في الولايات المتحدة – على سبيل المثال – التي ربما تضم في تنوعات سكانها كل أعراق الأرض وأديانها ومذاهبها وفلسفاتها، ولم يحل ذلك دون أن تصبح أقوى وأغنى أمم الأرض، بل ربما كان ذلك هو السبب الأساسي في تميزها، لأنها جعلت منه عنصر قوة، لا عنصر ضعف، وطبقت بأروع ما يكون مبدأ «التعارف» الذي دعا إليه القرآن، أو ما بات يعرف الآن باسم «التعايش»… وحين تنظر في علماء أميركا المشهورين، وكبار أدبائها وفلاسفتها وخبرائها في كل مجال، تجد أن أحدهم من أصل ألماني، وآخر من أصول صينية، وثالث جذوره عربية، وهكذا في تنوع لافت وعجيب، غير أنهم في النهاية يخدمون وطنهم الذي ينتمون إليه الآن، وهو الولايات المتحدة.
ولعلنا لا نكون في حاجة إلى أمثلة شرقية أو غربية، ولدينا مثالنا الأقرب والأوضح في تاريخنا نحن، فهذه الحضارة العربية الإسلامية التي أقامت أعظم وأقوى دولة في العالم، خلال العصور الوسطى، وانتقلت من خلالها كل ثقافات وعلوم الدول والحضارات التي سبقتها إلى أوروبا، لتنير ظلامها وتبعث فيها عصر النهضة وأنوار المعرفة التي لاتزال تشع على الدنيا كلها حتى الآن… هذه الدولة العربية الإسلامية شهدت بدورها أعظم اندماج وأوسعه للأجناس والأديان والمذاهب والأفكار، وكان ذلك من مصادر قوتها وعظمتها وبقائها قرونا طويلة.
ولا شك أن الكويت هي ابنة هذا التنوع وذاك الثراء الذي يخصِّب تربتها، ويغني ثقافتها، ويقدم لها صورة طيبة وجميلة للعالم كله، إلى الحد الذي توجتها معه الأمم المتحدة «مركزا للعمل الإنساني»، وتوجت أميرها «قائدا للعمل الإنساني»… ولم يكن ذلك من فراغ، فما قدمته الكويت، قيادة وشعبا، من دعم ومساعدات للمحتاجين والمعوزين والمنكوبين، في كل مكان من الأرض، شاهد حي على اتساع قلبها الذي جعله الله «مثابة للناس وأمنا».
ولعله ليس أبلغ من أن الكويت تشكل نموذجا رائدا للتعايش والتسامح، أنه يعيش على أرضها أناس ينتمون إلى أكثر من 140 جنسية، وبديهي أنهم يتنوعون تنوعا كبيرا في أديانهم ومذاهبهم، ومع ذلك لم تضق بهم الكويت يوما، أو تضيق عليهم في أرزاقهم ومعايشهم وعباداتهم، بل كانت دوما مثالا رائعا لقبول الآخر، رغم أي اختلاف معه.
تلك هي الكويت التي نعرف، ويعرفها العالم كله، والتي ستبقى تقدم للبشرية الخير كله، وتضرب المثل الأعلى في التسامح والانصهار والوحدة الوطنية.