• مارس 11, 2025 - 8:11 صباحًا

من أفواه الصغار

توقفت كثيرا عند ما حدث في دار إشراقة للأيتام، شاهدته من زاوية أخرى، دلّنى عليها أطفاله الصغار، قالوا كلاما يقطر براءة وسماحة وقدرة على العفو ورغبة في التطلع إلى المستقبل رغم سنوات وأيام العذاب. أحدهم وهو في العاشرة من عمره يقول: أنا فرحان دلوقت بالدار وإن شاء الله حابقى دكتور وشاطر في المدرسة، ويتابع: الحمد لله الدكاترة كشفوا عليّه وقالوا انت كويس.
يقول ذلك ويده دامية متورمة ـ من جرّاء التعذيب ـ ويضيف: المهم الضرب خلاص انتهى، دلوقت ما حدش حيشتمنى بأبويا وأمي اللي مش عارفهم. تصوروا حكمة ما يقول هذا الطفل الصغير، الذي يصمم على نسيان الماضي الأليم والتطلع إلى المستقبل، درس للكبار قبل الصغار ودرس للدولة التي ما زالت تجر قضايا الماضي البعيد والقريب حتى صارت ثقلا يعوق التفكير في المستقبل.
طفل ثانٍ يقول: باحلم أكون ضابط شرطة وأقبض على الناس اللي بتضرب العيال الصغيرة، يحلم بالقادم وحاضره يؤكد أنه ضُرب بالعصا بعد تقييده في السرير وبجسمه إصابات فادحة لكنه يصمم الآن على النظر إلى حياته القادمة ويفرح كطفل بالحلويات والهدوم الجديدة والفلوس التي جاءت إليه، ثم يصمم على ألاّ تفوت منه الفرصة قبل أن يُدلي إلينا بالحكمة أيضا فيقول: إخواتي هنا اتعودت عليهم ولو طلعت برّة حاكون لوحدي وأتمنى أن أظل بالدار على طول.
الرابع يندم على اعتداءه بالضرب على أصحابه، يبكى ويردد: بقوا بيخافوا منى، أنا باحبهم قوى والدكاتره بيعالجوني وبيصالحوني دلوقت عليهم وعرفوني إني كنت بعمل حاجة غلط، يعترف صاحب الثمانية أعوام فقط بخطئه تجاه إخوته في الدار، يحبهم لكنه كان يخاف عليهم وعلى نفسه من أسلوب العقاب الجماعي إذا ما اقترف أحدهم خطأ، كان يريد أن يحميهم من ضرب أكثر قسوة وتعذيب أكثر إجراما من مدير الدار وزبانيته الذين افتقدوا الإنسانية والرحمة في ظل غياب الرقابة من الجهات المعنية بتلك الدور البائسة.
أطفال صغار أيتام لا أب ولا أم ولا أهل ولا بيت ولا طعام، يعيشون مع الجوع والضرب والإهانة والظلام ليلا ويتكدسون ستة عشر في حجرتين ثم تأتي النجاة من حارس الدار الذي يذهب ليلا لحراستها، إنسان حقيقي صمم وحده على المواجهة، كان يجلب الأطفال إلى حجرته ويقوم بتصويرهم بكاميرا موبايله ووثق بالصوت والصورة وقائع تعذيبهم واتصل بكثيرين يطلب وقف تلك المأساة ووصلت الشكاوي إلى مكتب بوزارة التضامن الاجتماعي وجمّدها الموظف الذي استلمها مشاركا في نفس الجريمة مما يستدعي مساءلته من الوزارة، وقد سلمّ (شريف عبدالله) الحارس الإنسان ما لديه من صور وفيديوهات للنيابة.
تحية له، وتحية للمتابعة الممتازة للصحفي محمد القماش التي نشرها بـ«المصري اليوم» يوم الأحد الماضي وقدم خلالها تلك الصورة من الألم والأمل من أفواه هؤلاء الصغار.

Read Previous

الرؤية والطريق

Read Next

النهج النيابي أصل الفساد وخراب البلاد

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x