السياسة والإعلام، حكاية طويلة فصولها متعددة. لا تشبه لعبة القط والفأر؛ بل هي لعبة السلطة والناس.
للتلفزيون سلطة وهيبة يفرضها من خلال وصوله إلى كل البيوت، يقول كلمته ويترك أثره بشكل واضح في النفوس والعقول، من أصغر طفل إلى أكبر معمّر. وكان (ليس في قديم الزمان) التلفزيون يخبر المشاهدين عما يحصل في ظاهر السياسة وباطنها، بجانب الأخبار المتنوعة من مختلف ألوان الحياة، والتسلية والترفيه. يومها كان أهل السياسة يقفون على مسافة من الإعلام ينتظرون ما تقوله الشاشات والصحف عنهم، ويحاولون التجمّل أمام الإعلاميين؛ لتبدو صورتهم أجمل في عيون الجمهور؛ لكن الحال لم يبق على حاله، فتداخلت الأمور ببعضها، وأصبحت السياسة الشغل الشاغل للتلفزيون، يسعى خلفها ليكشف «المستور»، ثم انقلبت اللعبة وصار التلفزيون الشغل الشاغل للسياسيين.
كانوا الخبر الذي تلتقطه الكاميرا فتبرزه على الشاشة، وتحولوا إلى محللين للأخبار، دخلوا الاستوديوهات من أوسع الأبواب، وطموحهم اليوم الجلوس على مقاعد المذيعين وتقديم برامجهم بأنفسهم.
أهل السياسة ضيوف شبه دائمين على المحطات التلفزيونية، تراهم في أي وقت وفي كل وقت، يستعملون الشاشة من باب الترويج لأفكارهم ومشاريعهم وخططهم السياسية، ومنهم من يتحدث باسم حزبه أو الجهة التي ينتمي إليها. ولأن الشاشة مغرية، يفكر بعضهم جديا بالعمل على تقديم برنامج أو التعاقد مع إحدى القنوات؛ لتكون له إطلالته الخاصة ضمن فقرة ثابتة يومية، يحلل فيها ويعرض أفكاره ونصائحه من خلال خبرته الطويلة ومناصبه السابقة، فيبقى على تواصل مع السياسة من مقعد الإعلامي، ولا ينساه الناس أو تُحجب عنه الأضواء.
هي موجة تضرب أهل السياسة في الغرب، مثلا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تحلم بأن تكون مذيعة إلى جانب مهامها الرسمية، وأن يكون لها برنامجها الحواري الذي تقدمه بنفسها، وتناقش مع ضيوفها أهم المواضيع والقضايا. وفي فرنسا وبعد انهيار الأحزاب السياسية، قرر عدد من النواب والوزراء السابقين الاتجاه نحو الإعلام لتقديم البرامج أو الفقرات الثابتة لتكون مخصصة لهم ضمن برامج معينة، خلال عزلتهم السياسية الحالية. إنه إغراء منبعه الأساسي البرامج التي فتحت المجال واسعا لتلميع صور السياسيين، فصار بعضهم «نجما تلفزيونيا» يجيد التحدث على الشاشة، يملك مفاتيح اللعبة الإعلامية والتعامل مع الكاميرا وكيفية إقناع الجمهور والتأثير فيه.
حلم السياسي أن يصير مذيعا ومقدم برامج على الشاشة، هو نتاج طبيعي لما أفرزته كثرة برامج «التوك شو» والبرامج السياسية المنتشرة، التي تبقى الأكثر مشاهدة حول العالم، وتأثير الشهرة على السياسيين الذين يحلمون بالأضواء والظهور حتى بعد العزلة الإجبارية أو الاختيارية لهم، ليكون الإعلام ملجأهم ونافذتهم الدائمة على العالم.