احيا آلاف المواطنين والمقيمين ذكرى العاشر من المحرم، حيث استشهاد الامام الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء.
واتشح المعزون بالسواد تعبيرا عن حزنهم من مختلف الفئات العمرية رجالا ونساء في مجالس ذكر أهل البيت عليهم السلام وفي الحسينيات والمساجد منذ الصباح الباكر حتى إلى ما بعد صلاة الظهر، إحياء لفاجعة يوم العاشر من شهر المحرم التي حدثت عام 61 هجريا، وهو يوم واقعة الطف الأليمة بأرض كربلاء، وما أحاط يومها من مصاب بسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ومن تبعه من أصحابه الغر الميامين وأهل بيته الطيبين الطاهرين وعوائلهم التي أثكلت بتلك الفجيعة.
بدأت مراسم العزاء بتلاوة القرآن الكريم، ثم قرأ خطباء المنابر الحسينية ما حدث في واقعة الطف في كربلاء بعد أن رفعوا عمائمهم من فوق رؤوسهم احتراما وإجلالا للإمام الحسين، وما وقع من ظلم وجور لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان حالهم في مثل هذه السويعات، فلم يجد الحاضرون لإحياء العزاء إلا فيض الدموع ليفرغوا ما بداخلهم من أحزان وآهات لما جرى للحسين عليه السلام وأصحابه وعائلته، وبعدها توجهت الجموع الغفيرة بالدعاء والتوسل إلى الله عز وجل في هذا اليوم، حيث لم يفت الخطباء في دعائهم ذكر الكويت والدعاء بحفظها وشعبها من كل مكروه، وأن يجعلها الله واحة أمن وأمان.
وأكد خطباء المنابر الحسينية أن الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه قضوا ليلة العاشر من المحرَّم في الصلاة والدعاء، وقراءة القرآن، وكان لهم دوي كدوي النحل، كما كانوا يصلحون سيوفهم ورماحهم، استعدادا لِلِقاء الله تعالى عند استشهادهم، لافتين إلى أن الإمام الحسين طلب في صباح يوم العاشر إتماما للحُجَّة على أعدائه من جيش يزيد، أن ينصتوا إليه لكي يكلِّمهم، إلا أنَّهم أبوا ذلك، وعلا ضجيجهم، وفي النهاية سكتوا، فخطب فيهم معاتبا لهم على دعوتهم له، وتخاذلهم عنه.
وأشار خطباء المنابر الحسينية إلى أن الإمام الحسين عليه السلام عاد يوم العاشر مرة أخرى على ظهر فرسه، ووقف أمام الجيش الأموي، وخاطبهم قائلا: (أمَّا بَعد، فانسبونِي فانظُروا مَن أنَا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هَلْ يحلُّ لَكُم قتلي؟ وانتهاكُ حُرمتي؟ ألسْتُ ابن بنتِ نبيِّكم صلى الله عليه وسلم، وابن وصيِّه وابن عمِّه، والمصدِّق لِرسولِه بما جاء من عند رَبِّه؟ أوَ ليس حمزة سَيِّد الشهداء عَمّ أبي؟ أو ليسَ جَعفر الشهيد الطيَّار ذو الجناحين عَمِّي؟ أوَ لَمْ يَبلُغْكُم قول مُستفيض فيكم: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لي ولأخي: «هَذان سَيِّدا شَبَاب أهل الجنّة»، فلم يستجب له أحد، ثمَّ خاطبهم قائلا: «أمَا تَرونَ سَيفَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولاَمَةَ حَربِه وعمَامتَه عليَّ»؟ قالوا: نعم، فقال عليه السلام «لِمَ تُقاتِلونِي»؟ أجابوا: طاعة للأمير عبيد الله بن زياد.
وأشار الخطباء إلى واقعة قتل الحسين، عليه السلام، لافتين إلى أن عمر بن سعد قائد الجيش وضع سهمه في كبد قوسه، ثم رمى مخيم الإمام الحسين عليه السلام، وقال: اشهدوا أني أول من رمى، فتبعه جنده يمطرون آل الرسول صلى الله عليه وسلم بوابل من السهام، فعظم الموقف على الإمام الحسين عليه السلام، ثم خاطب أصحابه قائلا: «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم» فلبوا رضوان الله عليهم النداء، وانطلقوا كالأسود يحاربون العدو، فاستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء، وبدأ أصحاب الحسين عليه السلام يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أرهقوا جيش العدو، وأثخنوه بالجراح، فتصايح رجال عمر بن سعد: لو استمرت الحرب بيننا، لأتوا على آخرنا، لنهجم عليهم مرة واحدة، ولنرشقهم بالنبال والحجارة، واستمر الهجوم والزحف نحو من بقي مع الإمام الحسين عليه السلام، وأحاطوا بهم من جهات متعددة، فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه، وقد دخل المعسكر يقول: احرقوا الخيام، فضجت النساء، وتصارخ الأطفال، وعلا الضجيج، وراحت ألسنة النار تلتهم المخيم، وسكانه يفرون فزعين مرعوبين، فلم يهدأ سعير المعركة، وراح من بقي من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته، يستشهدون الواحد تلو الآخر، فاستشهد ولده علي الأكبر واخوته، وأبناء أخيه وابن أخته، وآل عقيل وآل علي، مجزرين وهم يتناثرون في أرض المعركة، وكذا بدأ شلال الدم ينحدر على أرض كربلاء، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال، فركب الإمام الحسين عليه السلام جواده، يتقدمه أخوه العباس عليه السلام، وتوجه نحو نهر الفرات، ليحمل الماء إلى العيال، فحالت حشود العدو دونه، فأصبح هو في جانب وأخوه في جانب آخر، وكانت للبطل الشجاع أبي الفضل العباس عليه السلام صولة ومعركة حامية، طارت فيها رؤوس، وتساقط فرسان، وهو يصول ويجول في ميدان الجهاد، بعيدا عن أخيه، حتى خر صريعا سابحا بدم الشهادة.
وتعلق قلب الإمام الحسين عليه السلام بمخيمه، وما خلفت النار والسيوف بأهله وحرمه، فراح عليه السلام ينادي، وقد طوقته قوات الأعداء وحالت بينه وبينهم، فصاح بهم: «أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني، والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا»، إلا أنهم استمروا في هجومهم على المخيم، ولم يعبأوا لكلامه عليه السلام.
فاستمر الهجوم عنيفا، والإمام عليه السلام منهمك في قتال أعدائه، إلى أن سدد له أحد الأجلاف سهما، واستقر في نحره الشريف، ثم راحت السيوف والرماح تنزل عليه كالمطر الغزير، فلم يستطع عليه السلام مقاومة الألم والنزف، فوقع على الأرض، ولم يكفوا عنه، بل راح شمر بن ذي الجوشن، يحمل سيفه ليقطع غصنا من شجرة النبوة، ففصل الرأس الشريف عن الجسد.. وهنا تعالت أصوات المعزين وبأعلى أصواتهم «يا حسين.. يا مظلوم.. يا شهيد».
وقالت لجنة الحسينيات والمجالس الكويتية التي أحيت شعائر عاشوراء سيد الشهداء الإمام الحسين: انه لا يسعنا إلا أن نتقدم لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وإلى سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، وإلى سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، وإلى نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ خالد الجراح بالشكر والتقدير والامتنان وكذلك إلى جميع الوكلاء وقيادات وضباط وأفراد وزارة الداخلية الأبطال، الذين بذلوا جهودا مميزة، بتفان واقتدار، وتحملوا عبء واجبهم الوطني، ومسؤولياتهم الجسام، للحفاظ على سلامة الحسينيات وروادها، في كل مناطق الكويت وضواحيها، في هذه الظروف الأمنية الاستثنائية الخطيرة.
ولا يفوتنا أن نتقدم كذلك بالشكر والتقدير، للمتطوعين والمتطوعات، الذين تعاونوا مع رجال الأمن، في هذا الشأن الديني والوطني، مضحين بأوقاتهم وراحة اسرهم.
وكذلك الشكر إلى نواب مجلس الأمة، ورجال المطافئ، وطواقم بنك الدم والإسعاف الطبي، وإلى البلدية، وإدارة الوقف الجعفري، وكل مؤسسات الدولة. وإلى رجال الإعلام الذين سعوا إلى إبراز هذه الفعاليات الثقافية الدينية، وأوصلوا رسالتهم في دعم وحدة النسيج الكويتي.
وإلى جيران الحسينيات، وكل المواطنين الذين تحملوا تبعات الإجراءات الأمنية عن طيب خاطر، مؤكدين أن ما قامت به هذه الأيدي الكريمة، والنفوس العظيمة، من جهد وتضحيات، هو محل اعزاز وتقدير واحترام من الجميع.
فباسمنا جميعا من صغار وكبار، نساء ورجال، نشكرهم، ونشد على أيديهم، وندعو الله تعالى أن يثيبهم، ويرفع من شأنهم، ويرزقهم خير الدنيا والآخرة.
ونرفع أيدينا جميعا مبتهلين إلى الباري عز وجل، ان يحفظ وطننا الكويت، أميرا وحكومة وشعبا، وان يجنب الكويت وأهلها كل سوء، وان يجمعنا جميعا على الوحدة، ويمنع عنها الفرقة، إنه سميع مجيب.
تعاون كبير
من جهته، ثمن مسؤول إحدى الحسينيات جواد قمبر الدور الكبير لوزارة الداخلية في حفظ الأمن ومد قلوب معزي الإمام الحسين بالاطمئنان والعمل على تنظيم حركة المرور وسلاسة دخول وخروج المعزين إلى الحسينيات وأيضا لا ننسى دور الإدارة العامة للإطفاء ووزارة الصحة ممثلة بالخدمات الطبية والطوارئ والإسعافات الأولية مؤكدا أنه كان لتعاون الجهات الحكومية الدور الكبير في تحقيق توافد المعزين دون أن يتضايقوا من الاختناقات المرورية مع ضمان الأمن والاطمئنان.
وزاد قمبر: علينا أن نذكر أن رواد الحسينيات مع المعزين بمختلف فئاتهم العمرية أبدوا تعاونا تاما في حفظ النظام والتحلي بالأخلاق المحمدية كما يجب علينا شكر جميع القائمين والعاملين في جريدة «الأنباء» لما قدمته من عمل إعلامي صحافي راق يستحق الثناء من خلال نشر صفحة يومية في أعدادها طوال الأيام العشرة الأولى بعاشوراء تنقل ما يدور داخل الحسينيات من محاضرات وخطب بكل مصداقية وشفافية وعبر الرسائل الهادفة داعيا المولى عز وجل ان يحفظ الكويت وأميرها وأهلها من كل مكروه كما هو الدعاء اليومي في جميع حسينيات الكويت.
على الصعيد ذاته، أحيا عدد من طلبة الكويت المبتعثين في عدة دول ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، من خلال ذهابهم إلى الحسينيات، ومشاركتهم مع الجاليات المسلمة هناك هذه الذكرى الأليمة وحرصوا على تقديم صورة مشرفة للشعب الكويتي بالالتزام بالقوانين المعمول بها في كل بلد على حدة.
جهود مشكورة من وزارة الداخلية
بذل رجال وزارة الداخلية جهودا مشهودة في تنظيم وصول وانصراف المعزين عبر الطرق المختلفة من وإلى الحسينيات في كل أنحاء البلاد، حيث تواجدت القوى الأمنية منذ الليلة قبل الماضية، وباشروا بوضع الحواجز والتحويلات في بعض الطرقات، كما تم التنسيق مع المنظمين في الحسينيات والمساجد لتفتيش المعزين، حفاظا على سلامتهم من أي سوء.
هذا وقامت معظم الحسينيات بتجهيز الطعام وتوزيعه مع العصائر والمشروبات الساخنة على الناس، في المساحة المخصصة لذلك بالباحات الخارجية للحسينيات.
وجريا على عادتهم في مثل هذا اليوم من كل عام تناول خطباء المنابر الحسينية عددا من القضايا التربوية والاجتماعية المهمة وطرحها من خلال خطبة سريعة ثم يعرجون للحديث على ما جرى في كربلاء من مصاب الم بأهل بيت النبوة.