في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الكثيرة والخطيرة المتسارعة من حولنا، لا بدّ أن تفرض المقارنة نفسها بين أوضاعنا في الكويت وأوضاع الآخرين، ولا بدّ أيضا ãä أن تثير هذه المقارنة سؤالا مؤداه: أين نحن من الآخرين؟
وعندما نقول «أين نحن؟»، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو: ماذا حققنا من معدلات التنمية؟ وهل لدينا تخطيط لمستقبل الأجيال القادمة؟ وكذلك أين يقف مستوى الأمن والاستقرار عندنا، وهو بالتأكيد الضامن لاستمرار أي مسيرة اقتصادية وتنموية؟
والحقيقة أن الكويت قد استطاعت خلال السنوات الماضية أن تنجز الكثير، وهي لاتزال على الطريق الصحيح في هذا الاتجاه، ونعتقد أن البيانات التي أعلنتها وزارة التخطيط¡ منذ فترة قريبة، حول معدلات الإنجاز في الخطط التنموية تؤكد ذلك بالفعل، وتثبت أن ما أنجز أكبر ممما يتصوره كثيرون.. يكفي أن تنظر – على سبيل المثال لا الحصر – إلى الإنجازات التي حققتها الدولة في القطاع الإسكاني، لتتبين أن الأزمة الإسكانية التي بدت في فترة من الفترات معقدة ومستعصية على الحل، باتت الآن أقرب ما تكون إلى المعالجة الشاملة والحاسمة، في ضوء الأعداد الكبيرة من الوحدات التي يتم تسليمها للمواطنين، وتلك التي سيتم تسليمها في المستقبل القريب، والمدن الإسكانية التي يجري إنشاؤها في شمال الكويت وجنوبها، والطرق والجسور الجديدة التي تربط هذه المدن بالعاصمة وغيرها من محافظات الدولة.
وأينما يممت وجهك فستجد نموا مطردا مماثلا في كل مجال، فالقطاع الصحي يشهد الآن نهضة غير مسبوقة، من حيث إنشاء المستشفيات الجديدة، وتطوير القائم منها، وتوفير أحدث الأجهزة والمعدات الطبية لها، فضلا بالطبع عن تزويدها بأمهر الأطباء والطواقم الفنية والتمريضية، والتعليم يواصل نموه الأفقي والرأسي، وتتزايد باستمرار معدلات الابتعاث للتعليم في أرقى الجامعات الأوروبية والأميركية، وغير ذلك من المجالات.
هذه التنمية الشاملة والمتنوعة لم تكن يوما منفصلة عن المسار الديموقراطي في الكويت، والذي يشهد بدوره تناميا جعله أكثر نضجا، وأقدر على البقاء في محيط إقليمي ودولي صعب ومعقد، أصبح الكل يدرك معه أن الديموقراطية لا تعني الانفلات أو الفوضى، فحتى دولة من أعرق الدول الديموقراطية¡ مثل فرنسا، عندما تعرضت عاصمتها باريس لضربة إرهابية خطيرة في الثالث عشر من الشهر المنصرم، لم تمنعها ديموقراطيتها من أن تتخذ من الإجراءات والتدابير ما تراه كفيلا بحماية أمنها واستقرارها، مادام ذلك يتم في إطار من الالتزام بالقانون وحقوق الإنسان.
وفي اعتقادنا أن المجتمع الكويتي قد وصل بدوره إلى هذا الاقتناع، موقنا بان ديموقراطيته في منطقتها هي نعمة من الله تستحق الحمد والثناء، من أجل ضمان استمرارها، ولا يكون ذلك إلا بانتهاج العقلانية والحكمة في ممارسة هذه الديموقراطية، والابتعاد عن الغلو والشطط اللذين لا يأتيان بخير أبدا.
ومن ثم نأتي إلى ما يكمل هذه الصورة الجميلة للكويت، ونعني به توافر الأمن والاستقرار فيها، وهو ما يشهد به الجميع، ويتمتع بثماره الجميع، فقد صارت الكويت بفضل من المولى سبحانه، واحدة من أكثر دول العالم أمنا واستقرارا، وذلك بحكمة قيادتها السياسية التي تقودها دوما إلى بر الأمان، وسط هذا المحيط المتلاطم بالأمواج والعواصف، وجهازها الأمني الذي يسهر رجاله على ثغور أمنه وأمانه، لتبقى الكويت ثابتة راسخة مستقرة، مواصلة تنميتها وازدهارها وديموقراطيتها.