طرح وزير التربية د. بدر العيسى فكرة تعديل المناهج الدراسية في أكثر من مناسبة، فانتقدها البعض وأيدها البعض الآخر، حتى جاءت محكمة تفجير مسجد الصادق لتدين المناهج المتطرفة، أيضا حين قال قاضي المحكمة «ابسطوا رقابتكم على المناهج»، في إشارة إلى ضرورة إعادة النظر في المناهج المتطرفة.
وأكد أكاديميون اهمية ما ذهبت إليه المحكمة من تعديل المناهج وإعادة النظر فيها، مشيرين إلى أن المناهج الدراسية في مدارسنا باتت بالية وتقليدية، ولا تناسب عصر تفجر المعرفة والتحولات الحياتية في أنظمة المعلومات والتكنولوجيا.
وبينوا أن الحديث مثلا عن دور المناهج في ترسيخ قيم المواطنة لا وجود له واقعيا أمام ما نعاني من أزمات الثقة والولاء والنزاعات الطائفية، وعلى الرغم من أن مشكلات المناهج كثيرة الا أن الاشكالية الأولى في ضعف القدرة على تطوير المناهج هي أن المسؤولين عنها ليسوا مختصين فيها.
في البداية قال الباحث في التاريخ السياسي والكاتب الصحافي د. مبارك الفقيدي: لا بد اليوم أن تقف دول الخليج وقفة حازمة في محاربة الفكر المتشدد، والنظر في تعديل المناهج الدراسية الدينية التي تدرس في كل المراحل المدرسية، ومراقبة ما ينشر من كتب دينية في الداخل والخارج، والتشديد على عدم دخول كتب التطرّف التي تزرع الكراهية والبغض، وفرض الضوابط على الخطاب الديني.
وتابع الفقيدي: هل مشروع إصلاح الخطاب الديني وفتح الحوار والمناقشة مع الحركات الدينية الأصولية المتشددة أمر مرفوض أن يتداول في وسائل الاعلام، أم أن هؤلاء منزهون عن المحاسبة ومعصومون من السقوط في الأخطاء الفقهية، ومن المعلوم أن فتح مجال مفهوم التحديث ومراجعة خطط العمل وتطوير الأساليب حول التعامل المباشر مع الشعوب سوف يغضب التيارات والمدارس الدينية على جميع المستويات، فقد يتطور إلى التصادم مع الحكومات.
ومن جانبها قالت الأكاديمية الدكتورة رنا العبدالرزاق إن مشكلة مناهجنا التعليمية ليست في انها تدعو للتشدد والتطرف، بل مشكلتها في انها أضعف من انها تدعو لشيء بالأساس، متسائلة: هل أنتم مقتنعون أن المناهج التي تعجز عن تعليم الطالب الفرق بين التاء المفتوحة والتاء المربوطة بعد ١٢ سنة أن تصيغ فكرا؟
ومن جانبه قال الكاتب الصحافي سعود السبيعي ان البعض لديه حساسية من فكرة تعديل المناهج، على اعتبار انها مساس بالدين، والحقيقة انها غير ذلك، فهي تبديل موضوع ديني بموضوع آخر ينسجم مع واقعنا! مشيرا إلى أن مراقبة دور العبادة وتعديل المناهج يجب ان يشملا مساجد السنة ومساجد الشيعة والحسينيات ومنع المتطرفين من ممارسة الخطابة على المنابر والاعلام.
فيما قال الكاتب والمحلل السياسي د. يعقوب الشراح: لقد وُجد من التشخيص الميداني أن المناهج الدراسية في مدارسنا باتت بالية وتقليدية ولا تناسب عصر تفجر المعرفة والتحولات الحياتية في أنظمة المعلومات والتكنولوجيا، مبينا ان المعلومات التي يتعامل معها الطفل خارج مدرسته تفوق ما يتعلمه في المدرسة ليس فقط من الناحية الكمية، وانما الجانب النوعي المتصل بحركة الحياة وتغيراتها والتفاعل معها لذلك ليس بمستغرب أن تصبح المناهج المدرسية في مرمى النقد والتذمر.
وأوضح الشراح أن الحديث مثلا عن دور المناهج في ترسيخ قيم المواطنة لا وجود له واقعيا أمام ما نعانيه من أزمات الثقة والولاء والنزاعات الطائفية، واذا كان سمو الأمير أكد، وفي أكثر من مرة، العناية بمناهج التعليم، الا أن الواقع يعكس التوقف عند عقد المؤتمرات والقيام بالدراسات المحلية والخارجية من دون احداث تغييرات هادفة على الأرض، فلقد أدخلنا التعديلات المرتجلة بحذف الموضوعات من الكتب المدرسية بحجة أنها تثقل المناهج بالمعلومات، مع أنها لا تصب في التطوير، علما بأن مفهوم المنهج ليس الكتاب المدرسي أو ما يدرس من معارف للطلبة فقط، وانما المنهج منظومة متكاملة من معلمين ووسائل وعلاقات وبيئة تعليمية ونظام مدرسي وادارة وأسرة ومجتمع.
وذكر الشراح: على الرغم من أن مشكلات المناهج كثيرة الا أن الاشكالية الأولى في ضعف القدرة على تطوير المناهج هي أن المسؤولين عن هذه المناهج ليسوا مختصين فيها، ولا حتى في التعليم، فمن غير المنطق أن يتحمل أعباء المناهج من لا يمتلك المهنية أو التأهيل العلمي والخبرة في مجال المنهج، لذلك فإن المحاسبة على الواجبات قد لا تتصف بالموضوعية أمام غياب التأهيل والكفاءات اللازمة لرقي الأداء والاتقان في هذا المجال المهم، مشددا على وضع استراتيجية نوعية لتطوير المناهج لا تعتمد فقط على المعلومات، وانما تأخذ في الاعتبار مهارات التفكير والقيم واكتساب ثقافة التسامح وعدم الغلو في الفكر أو تنامي سلوكيات العداء، وتعكير أجواء الاستقرار، وتحدي سلطة الدولة. واختتم الشراح مطالبا بضرورة تطوير العملية التعليمية وإدخال التعليم المهني في السياسة التعليمية في الكويت، فهناك العديد من خريجي الثانوية العامة لا يريدون أو لا يستطيعون إكمال طريقهم التربوي، لذلك لا يستكملون دراستهم، فوجود التعليم الفني اصبح ضرورة ملحة في الكويت، مؤكدا ضرورة تطوير العملية التعليمة وتطوير قدرات المدرس فلا يمكن تطوير العملية التعليمية من دون تطوير قدرات المدرس أو العكس.