أحمد إسماعيل بهبهاني
في تقديرنا أن ما أثارته افتتاحية الزميل جاسم بودي في «الراي» يوم الجمعة الماضي، حول ممارسات المعارضة لدينا، من نقاش واسع شارك فيه العميد أحمد الجارالله والنائب نبيل الفضل وآخرون، هو حالة صحية ينبغي ألا نخشى منها أو نغلق دونها الأبواب، ذلك أنها تطرق ملمحا بالغ الأهمية يتعلق بضرورة وجود معارضة للحكومة، لأنه لا يستقيم أن تكون هناك دولة ديموقراطية من دون أن تكون هناك معارضة تتولى مراقبة الأداء الحكومي، والتنبيه إلى ما يعتريه من مخالفات وتجاوزات، وهو ما يضمن ألا تنحرف الحكومة عن المسار الديموقراطي السليم.
لكن يبقى السؤال مشروعا: أي معارضة نريد؟ أو كيف ينبغي أن تكون المعارضة؟
مشروعية السؤال تنبع، في الحقيقة، من مرارة التجربة التي عاشتها الكويت، خلال السنوات الماضية، من ناحية، كما تنبع من ناحية أخرى من التخوفات والهواجس التي يثيرها ما حدث في دول عربية عديدة من حولنا، تجاوزت فيها المعارضة السقف الذي تعرفه وتحرص عليه كل الدول الديموقراطية، والذي تحكمه أطر الرشد والعقلانية ومراعاة المصلحة العامة، فانقلب الأمر إلى فوضى عارمة، بل وتحول في بعضها إلى احتراب أهلي، لا يعلم إلا الله وحده متى ينتهي، وأي مصير سيفضي بها إليه.
لقد عرفت الكويت – لفترة طويلة نسبيا – ما تعرفه الدول عريقة الديموقراطية، من معارضة متزنة رشيدة، تضع مصلحة الوطن نصب عينيها، ولا تجعل همها الدائم هو «مناكفة» الحكومة، وافتعال الأزمات معها، كما حدث في مراحل لاحقة، وحوَّل الممارسة البرلمانية والسياسية في الكويت إلى شيء بغيض ومنفر، وأثار القلق حتى لدى الدول الشقيقة التي كانت منبهرة بالتجربة الديموقراطية الكويتية، وتريد أن تحاكيها، بعد أن رأت أمام عينيها كيف تستغل هذه الديموقراطية كأداة لعرقلة الإنجاز وتعطيل التنمية، وتكريس حالة مفزعة ومخيفة من الجمود السياسي والاقتصادي، استمرت سنوات، وكادت تصيب المواطنين باليأس، لولا تدخل القيادة السياسية، وإصدار مرسوم الصوت الواحد الذي أنهى هذا الاحتقان السياسي المزمن، وأتاح قدرا طيبا ومعقولا جدا من الاستقرار السياسي، لم تشهده الكويت منذ سنوات طويلة.
نعم نحن نريد للمعارضة أن تكون موجودة وفاعلة في حياتنا السياسية، ولكن هذا الوجود وتلك الفاعلية تحددهما المعارضة نفسها، فهي التي تملك الإجابة عن تساؤل آخر يتردد صداه كثيرا في الشارع الكويتي الآن، وهو : هل هذه المعارضة مستعدة للعمل وفق المعطيات الكثيرة الجديدة التي عرفتها الكويت وعرفتها المنطقة أيضا، خلال السنوات الماضية؟!
بمعنى آخر… هل هذه المعارضة مستعدة، وقادرة أيضا، على أن تعترف بأخطائها، وأن تترك التحليق في الخيال السياسي، وتنزل إلى أرض الواقع، وتقبل بما هو قائم، وألا تحاول فرض شروطها وإملاء قواعد للعمل السياسي، كما يتراءى لها هي وحدها؟!
إذا قبلت المعارضة بذلك، واستعادت وعيها ونضجها، فإن أحدا لا يملك وقتها أن يحول بينها وبين المشاركة السياسية، لتدلي بدلوها في خدمة الكويت، كما هو مأمول ومنتظر من معارضة وطنية راقية… وبصيرة!