• نوفمبر 21, 2024 - 10:12 مساءً

المحمد: ما أحوجنا إلى أهل الاعتدال وقيم التسامح

أكد سمو الشيخ ناصر المحمد حاجة العالم إلى أهل الاعتدال من رجال وعلماء الدين، مستنكرا العنف الذي انتشر بسبب تفسيرات خاطئة للدين و«أناس بلباس الدين وأخلاق المجرمين».
وأوضح سموه ان روح التسامح التي نطالب بها ليس من أجل الآخرة فحسب، بل كذلك من أجل الحياة الدنيا فهي ضرورة حتمية للسلم الاجتماعي في الأوطان.
 جاء ذلك خلال إقامة سمو الشيخ ناصر المحمد في قصر الشويخ مأدبة غداء على شرف البطريرك يوحنا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس والوفد المرافق له، بمناسبة زيارته للبلاد لتنصيب المتروبوليت غطاس هزيم مطرانا على بغداد والكويت وتوابعهما للروم الأرثوذكس.
وألقى سمو الشيخ ناصر المحمد كلمة ترحيبية قال فيها:
قال الله تعالى في كتابه الكريم «ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين».
كما قال سبحانه وتعالى في محكم الكتاب «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون».
أرحب بكم يا غبطة البطريرك ضيفا على الكويت ويسعدني أن أستقبلكم في هذا الديوان الذي تشرف باستقبال رجال دين وحكم وفكر وعلم وسياسة على مدار السنوات الماضية، وأجد نفسي وأنا أرحب بكم أغوص في تاريخ المشرق السحيق يوم كانت أنطاكية ثالثة الحواضر في الامبراطورية الرومانية وعاصمة الفكر والثقافة في آسيا وقبلة الصالحين، فهي التي زارها بولس الرسول ومكث فيها يعظ ويبشر بالدين، وهي التي جاء إليها بطرس الرسول ليؤسس الكرسي الرسولي عام 37 ميلادي، وهي أول من وصف أتباع المسيح عليه السلام بالمسيحيين، وهي التي لقبها البيزنطيون بمدينة الله العظمى، وكان العرب إذا أعجبهم شيئا نسبوه إليها.
وبرغم أن مقر البطريركية الحالي في دمشق فإن جذورها الأنطاكية تشهد لها بالريادة والأسبقية فإجلالا لهذا التاريخ المهيب ولمكانتكم وموقعكم أرحب بكم أجمل ترحيب.
صاحب الغبطة لا أجد زمنا نحتاج فيه إلى أمثالكم أنسب من زمننا هذا الذي نعيشه هذه الأيام ذلك الزمن الذي ترتقي فيه الإنسانية ذرا المعرفة لكنها في نفس الوقت تنحدر فيه إلى وحشية العدوان وهمجية الاقتتال.
 إنه زمن يحتاج إلى عقلاء ينحازون للإنسان ضد العنصرية، وحكماء يحابون الحياة ضد الهلاك ويفتحون أفق الحوار إلى آفاقه الواسعة ويحطمون جدران الانزواء والانغلاق والتعصب القاتل.
 إننا في عالمنا نحتاج إلى أهل الاعتدال من رجال وعلماء الدين، فالعنف والفتك والقسوة كلها تحوطنا من كل جانب مغلفة بتفسيرات خاطئة للدين ويظهر لنا أناس بلباس الدين وأخلاق المجرمين وحالهم مثلما تقول الحكمة اللاتينية «في وجهه حمل وفي قلبه ذئب».
كما تساق إلينا أخبار القتل والتشريد والإهلاك بلا انقطاع مبررة بدوافع منحرفة عن الدين كأنها لا تصغي إلى قول الباري عز وجل في كتابه الكريم: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» وكأنها تصم آذانها عن قوله سبحانه وتعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، كأنها غافلة عن قول الكتاب المقدس «لا تجازوا أحدا عن شر بشر» أو كأنها لا تعي دعوته للسلام «سالموا الناس جميعا وفق طاقتكم إن أمكن» أو تتغاضى عن قوله «لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير».
صاحب الغبطة إن روح التسامح التي نطالب بها ليس من أجل الآخرة فحسب بل كذلك من أجل الحياة الدنيا، فهي ضرورة حتمية للسلم الاجتماعي في الأوطان ضرورية للمسلم الفرنسي الذي يعيش بين أغلبية كاثوليكية وضرورية للمسلم الألماني الذي يعيش بين أغلبية بروتستانية وضرورية للمسلم الإنجليزي الذي يعيش بين أغلبية انجليكانية وضرورية للمسلم الروسي الذي يعيش بين أغلبية أرثوذكسية، غير أنها ضرورية أكثر للمسيحي العربي وهو يعيش في وطنه بين أغلبية مسلمة ووطنه هو نفسه وطن موسى ووطن عيسى ووطن محمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
 إن روح التسامح هي التي جعلت سكن محمد صلى الله عليه وسلم بيتا للديانات السماوية الثلاث بيت صفية بنت ناحوم وبيت مارية بنت شمعون وبيت عائشة بنت ابي بكر، وهي الروح التي جعلت منهن أمهات المؤمنين بلا أدنى تفرقة وهي الروح التي تلزمنا ألا نجادل أهل الديانات السماوية إلا بالتي هي أحسن، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم آياته: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن»، وهي الروح التي تصف كتب الديانات السماوية المقدسة بالهدى والنور فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم: «وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين».
وأخيرا، إنها نفس الروح التي تجلت في موعظتكم يا غبطة البطريرك في حفل تنصيبكم يوم قلتم: «نحن الأنطاكيين كنيسة مشرقية جذورها ضاربة بعمق في منطقتنا ومشرقنا العربي، ونحن مع إخوتنا المسلمين أبناء هذه الأرض فيها أرادنا الرب لنشهد لاسمه القدوس وفيها علينا أن نبقى مشجعين العيش المشترك الكريم ونابذين كل ضغينة وخوف وتعال.
 أيها الأعزاء المسلمون نحن وإياكم لسنا فقط شركاء في الأرض وفي المصير نحن بنينا معا حضارة هذه البلاد ومشتركون في الثقافة والتاريخ، لذلك يجب علينا أن نحفظ معا هذه التركة الغالية كما أننا شركاء أيضا في عبادة الله الواحد الأحد الإله الحقيقي نور السماوات والأرض».
وفي الختام يسرني أن أتقدم بخالص التهنئة بمناسبة تنصيب سيادة المتروبوليت غطاس هزيم مطرانا على بغداد والكويت وتوابعهما للروم الأرثوذكس.
كما نكرر يا صاحب الغبطة تحيتنا وترحيبنا بكم وبكنيستكم العريقة وأتباعها المؤمنين في كل مكان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبدوره قال البطريرك يوحنا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس كلمة اشار فيها إلى مقابلة صاحب السمو الأمير وإلى شكره وامتنانه بوجوده بهذه الأرض الطيبة (الكويت)، وتهنئة صاحب السمو الأمير باختياره من قبل الأمم المتحدة قائدا للعمل الإنساني وإعلان الكويت مركزا للعمل الإنساني.
وأعرب عن مدى سعادته لوجود كنيسة لطائفة الأرثوذكس بالكويت، وكذلك هامش الحرية الكبير المتاح لأبناء الطائفة في ممارسة معتقداتهم واستنكر استخدام الدين للفرقة بين الشعوب.
من جانبه، أعرب قداسة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس عن سعادته الغامرة بحفاوة الترحاب والاستقبال الذي لقيه في الكويت، موجها الشكر لسمو الشيخ ناصر المحمد على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، مضيفا: «كما ذكرتم سمو الشيخ ناصر المحمد نحن المسيحيين العرب سكان هذه الديار لقد بنينا معا حضاراتنا وتاريخنا المشترك والمستقبل الواحد الذي يجمعنا».
وأضاف: «قلتها في سورية في شهر رمضان الكريم وأعود وأقول «اخوتي المسلمين بين الـ «نحن والـ أنتم» تسقط الواو وتبقى نحن أنتم وأنتم نحن».
وتابع قائلا: «يقول الإنجيل المقدس «الله محبة» كيف يستطيع ان يحب الإنسان ربه الذي لا يراه ويبغض اخاه الذي يراه».
 وتساءل قائلا: «كيف يستخدم الدين للتفرقة ونحن أبناء السلام والمحبة؟ وهذا هو تاريخنا ونحن نؤمن بأننا عائلة واحدة يجمعنا الإيمان الواحد والمصير الواحد ونتمنى السلام لكل المنطقة والعالم، مشددا على ان ما يحدث اليوم من أحداث ليست له علاقة بالدين ولا بالإسلام ولا بالمسيحية وإنما يستخدم هؤلاء الدين كستار يحاول البعض تبرير أعماله من خلاله.
 أقول لكل المسيحيين في العالم تعالوا إلى هذه الدار الآن وانظروا إلى هذه المحبة التي تجمعنا بإخوتنا المسلمين.
 ووجه البطريرك يوحنا العاشر الشكر للكويت، أميرا وحكومة وشعبا، على رعايتها لأبنائها ولجميع من يقيم على ارضها، مضيفا: «لدينا كنيسة في الكويت وأبناؤنا يتمتعون بكل الحرية الدينية وفخورون بأن لدينا هنا مطرانا». ودعائي ان يهتدي الجميع إلى ربنا الواحد الأحد وان يفتح كل منا قلبه لنحصل على السلام والطمأنينة.
 وفي الانجيل «المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي القلب المسرة».

Read Previous

ديانا حداد نجمة مهرجانات فبراير والربيع ودبي للتسوق

Read Next

مجلس الوزراء يكلف «الفتوى» باتخاذ الإجراءات القانونية بحق تجاوزات «التأمينات»

Most Popular