لم يستأثر السعوديون وحدهم بالحزن على رحيل المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فقد اجتاحت الأحزان والدموع الأمتين العربية والإسلامية… وكان ذلك أمرا طبيعيا بكل تأكيد، فالشعوب تعي بفطرتها من ذا الذي يستحق أن تذرف من أجله الدموع، وتطلق لفقده زفرات الأسى والحسرة.
عاش الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ من أجل شعبه وأمتيه العربية والإسلامية، ولم يكف يوما ـ حتى حين اشتد به المرض ـ عن الدعوة إلى التكاتف والتضامن والوحدة بين أبناء الأمة، كما لم يتوقف في المقابل عن التحذير من الفرقة والخلاف والتشرذم… عاش حتى النفس الأخير يدعو أبناء أمته إلى التعالي فوق جراحهم، وتناسي خلافاتهم، والاعتصام بحبل الله، والذود عن أرض الإسلام، والدفاع عن حرماته، وأولى هذه الحرمات حرمة النفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق. ولذلك فقد وقف بالمرصاد لكل دعوات الغلو والتطرف والإرهاب، ولم يكتف بمحاربة من يرفعون السلاح ويروعون أمن الوطن والمواطنين، وأمن المقيمين في المملكة أيضا، حتى من غير المسلمين الذين لهم «عهد الأمان»، والذين تبرأ النبي – صلى الله عليه وسلم – ممن يستبيح دماءهم، أو يمسهم بسوء، لأنه ينقض بذلك «ميثاقا غليظا».
واتصالا بذلك، وبعدما نجحت سياسة العاهل السعودي الراحل في ترسيخ الأمن والاستقرار بالمملكة، أراد أن يعم هذا الأمن العالم كله، انطلاقا من الفهم الصحيح لكون الإسلام رسالة محبة وتسامح وسلام للناس كافة، فقاد مع أخيه سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد دعوة عالمية وإنسانية لإيلاء مزيد من الاهتمام بقضية حوار الأديان والثقافات، وكان له إسهام بارز في هذا المجال، من خلال المؤتمر العالمي الذي دعا إلى عقده، وسجل المؤتمر مشاركة كبيرة من جانب حكام العالم وساسته وعلمائه وممثلي المنظمات الدولية. واعتبرت المملكة أن واجبها الديني والإنساني يحتم عليها أن تبذل كل ما تستطيع من جهد من أجل تكريس الأمن والاستقرار والسلام في العالم كله.
وإذا كنا قد افتقدنا برحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائدًا كبيرًا، فقد استقبلنا أيضا خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز قائدًا كبيرًا اتفق عليه الجميع، داخل المملكة وخارجها، على أنه خير من يحمل رسالة سلفه وأخيه، وأنه سيواصل، مع ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف, سيواصل أداء الدور العظيم المناط بالمملكة كحاضنة للأماكن المقدسة، وحارسة للشريعة، وقائمة بأمر الله، ومشاركة أساسية وفاعلة في نشر الأمن والاستقرار والتسامح والسلام، في كل ربوع الأرض.