في اليوم التالي لافتتاح أعمال الدورة الثانية والأربعين للمجلس الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي، التي استضافتها الكويت الأسبوع الماضي، كان هناك ما يشبه الإجماع على مانشيت الصحف الكويتية اليومية، وهو «الأمير: الاحتقان الطائفي يعصف بكيان الأمة»… وبدا ذلك طبيعيا ومتسقا تماما مع ما ركز عليه سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في كلمته التي افتتح بها المؤتمر، لاسيما حين دعا سموه دول العالم الإسلامي إلى «وقفة جادة للنظر في الاحتقان الطائفي الذي بات يعصف بكيان أمتنا ويفتتها». وحين حذر أيضا من أن «هذه العصبية هي الأخطر على وجود الأمة، فجميعنا نجتمع تحت لواء التوحيد، وفي ظل أحكام كتاب واحد هو كتاب الله سبحانه وتعالى، مهتدين بهدي رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم».
لقد وجدت الكلمة السامية صداها على الفور لدى المشاركين في اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي، إلى حد أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير طالب بأن تكون هذه الكلمة إحدى وثائق اجتماع الكويت، ومن ثم امتد هذا الاهتمام الكبير بمضمونها إلى الصحف ووسائل الإعلام الكويتية والخليجية والعربية، ذلك أن صاحب السمو الأمير اختار التوقيت والمناسبة الصحيحين لإيصال رسالته إلى العالم الإسلامي كله، بضرورة التوحد ورص الصفوف، وإرساء قيم الإسلام العظيمة، وفي مقدمتها قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر.. وبالطبع فإنه ليس أفضل من مناسبة انعقاد مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي لتوجيه هذه الرسالة، كما أن التوقيت تزامن مع تلك التفجيرات الإرهابية التي شهدتها المملكة العربية السعودية، واستهدفت بعض مساجد الشيعة، وهو ما استحق وقفة جادة وحازمة من كل دول العالم الإسلامي، قادة وحكومات وشعوبا، للتأكيد على رفضها الفتنة الطائفية، والسعي إلى وأد تلك الفتنة وإخماد نارها قبل أن تحرق الجميع… وكما قال سمو الأمير بحق «يجب علينا أن ننطلق من تلك الحقائق لنتعاضد ونواجه التحديات الجسام التي يواجهها عالمنا الإسلامي، فجميعنا خاسرون في هذه المواجهة والمنتصر هو من يريد أن يؤجج هذا الصراع المدمر لأهدافه الخاصة ونفوذه، ويخطط لتشويه الإسلام وإضعافه».
هي إذن «معادلة صفرية» كما يقولون، ليس فيها منتصر، فالكل خاسر حتما، والكل متضرر ويصيبه الخراب والدمار وفقدان الأنفس البشرية البريئة، وتوريث العداوات لأجيال قادمة لا ذنب لها فيما يحدث.
ومن المهم أن نلفت أيضا إلى أهمية ما نبهت إليه الكلمة السامية، بشأن خطورة ما يؤدي إليه الإرهاب من تشويه لصورة الإسلام والمسلمين في العالم كله، وفي ذلك جاء تحذير سمو الأمير من فداحة ما يواجهه عالمنا الإسلامي من محاولات بعض التنظيمات الإرهابية، من «رسم صورة لا تعكس حقيقة الإسلام، متخذين فيها من الإسلام اسما، والقتل والدمار وسيلة، والإرهاب منهجا، وترويع الآمنين أسلوبا، حتى أضحت صورة المجتمع الإسلامي والفرد المسلم مرتبطة بتلك الأعمال الإجرامية الدنيئة».
وقد آن الأوان بالفعل لتتحمل دول العالم الإسلامي مسؤوليتها، في تصحيح هذه الصورة البغيضة والمنفرة لديننا الحنيف، الذي هو بالتأكيد براء مما تفعله شرذمة قليلة، تنتسب إلى الإسلام، وتقترف من الجرائم والمنكرات ما يتناقض تماما مع مبادئه العظيمة وقيمه السمحة، وما دعا إليه من إفشاء للسلام والإخاء والتكافل بين كل الأمم والشعوب.
وليس منفصلا عن كل ما سبق، ما طالب به سمو الأمير كذلك، من ضرورة مضاعفة الجهود لوضع حد للصراعات والنزاعات التي تشهدها بعض دولنا الإسلامية، ذلك أن نشأة كثير من التنظيمات الإرهابية مرتبطة بتفجر تلك الصراعات، وتشكل إفرازا طبيعيا لها، وحين تنتهي الأزمات التي تشهدها دول عربية عدة، فسوف تنتهي وتتحلل التنظيمات الإرهابية، وهو ما يفرض على دولنا، وعلى العالم كله أيضا، حتمية التعجيل بوضع حد لتلك الصراعات، والسعي الحثيث لإرساء السلام والأمن والاستقرار في المنطقة العربية.