لا يستطيع أحد أن يزايد على الكويت في إيمانها بالديموقراطية، واحترامها للدستور والقانون وحقوق الإنسان… لكن يخطئ من يتصور أن هذه الأمور كلها تعني التفريط في أمن الوطن واستقراره، أو الانتظار حتى نبلغ – كما بلغت دول أخرى كثيرة – مرحلة الفوضى وانفراط عقد الدولة، وضياع هيبتها وقوتها.
وأي مراقب للأوضاع الكويتية سيدرك ـ على الفور ـ أن القيادة السياسية لدينا توصلت، عبر سنوات طويلة من التجارب والممارسات، إلى صيغة متوازنة، تحفظ للمواطنين حقوقهم، وتضمن لهم أوسع مساحة من الحريات التي كفلها الدستور، وفي مقدمها بالطبع حرية التعبير، وتكفل في الوقت نفسه أمن الدولة واستقرارها، وتحمي المجتمع من شرور الفتنة وبواعثها.
وفق هذا النهج جاءت الإجراءات والتدابير الأخيرة التي اتخذها نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد، بهدف حماية المساجد وجميع دور العبادة الأخرى، ونشر الدوريات في محيطها، بما يشعر المصلين بالطمأنينة والارتياح، واليقين بأن هناك عينا ساهرة على راحتهم وحمايتهم، وكذلك توفير مزيد من التأمين لسائر مؤسسات الدولة ومنشآتها الحيوية، وهي تدابير لاقت قبولا وارتياحا لدى جميع المواطنين، باستثناء قلة قليلة لاتزال تخلط بين مفهومي الحرية والفوضى، وتتوهم بأن الديموقراطية تعني التفلت من أي ضوابط، حتى لو كان ذلك سيعود بالويل والخراب على دولتهم ومجتمعهم، وهو بالتأكيد فهم شائه ومغلوط لتلك القيمة العظيمة والمنجز الإنساني الكبير (الديموقراطية)، لا وجود له حتى في أعرق الدول التي تنتهجها، والتي تتخذ كل أشكال التدابير والإجراءات التي توفر لها الأمن والأمان، وتدرأ عنها مخاطر العنف والإرهاب.
ومن المستحيل عقلا ومنطقا أن تساير الدولة أصحاب مثل تلك التصورات وفق هواهم، أو تخضع لرؤاهم القاصرة، ومدركاتهم العاجزة عن استبصار المخاطر المحدقة بنا، والتحديات المفروضة علينا، والتي قد تتطلب أن نضحي ولو بقدر من الحرية المتاحة، من أجل تعزيز أمن مجتمعنا، حتى لا نجد أنفسنا يوما وقد فقدنا الاثنين معا… الأمن والحرية، وساعتها لن يفيدنا الندم، ولن يجدي نفعا البكاء على اللبن المسكوب!