• يناير 19, 2025 - 2:55 صباحًا

شهر رمضان .. أحداث وتاريخ

‏ شهر رمضان.. أحداث وتاريخ فقد حلَّ بنا شهرٌ كريم، فَرَض الله علينا صيامَه، وسنَّ لنا رسول الله قيامه. ‏ويتميَّز هذا الشهر عمَّا سواه بالحِرْص من الجميع على الإقبال على الله، الطائعين ‏والعاصين على سواء، ويختصُّ هذا الشهرُ بأحداث عظيمة وقعتْ فيه، تحتاج مِن كلِّ مسلِم إلى تذكُّر وتدبُّر ‏وتفكُّر؛ لينتفعَ بمواضعِ العبرة، ويجني بها الثمرة‏.
فمنها – بل أهمها على الإطلاق- بدايةُ نزول الوحي الكريم على رسول الله ‏ في غار حراء، وقد جلس في خلوته يتعبَّد، فنزل عليه ‏جبريل بأوَّل كلمة قرآنية، فكانت: }اقْرَأْ{ وهي دعوة إلى ‏العِلم الذي يصل العبدَ بربه وخالقِه، ويدرك به الخشية: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ ‏مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{ [فاطر: 28]، ويرفع منزلةَ صاحبه ودرجته: }هَلْ ‏يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ{ (الزمر: 9)؟ والجواب قطعا لا ‏يستوون.
‏وفي بدءِ نزول القرآن في رمضان على رسول الله وهو في الغار ‏يتعبَّد – تنبيهٌ لطيف على أنَّ رمضان هو شهر القرآن، وأنَّه شهر العبادة الخاصَّة‏‏، وأنَّه شهر الانقطاع إلى الله، متمثِّلا في الاعتكاف، وقد اختاره الله لذلك من بين ‏سائر الشُّهور، مع أنَّ رسول الله كان ينقطع إلى العبادة في غار ‏حِراء في غيره من الشهور، فاختيار هذا الشهر علامةٌ على فضله وارتفاعِ درجته ‏دونَ غيره.‏
ومِن الأحداث التي وقعتْ في رمضان (غزوة بدر الكبرى)، وذلك في السابع ‏عشر من رمضان في السَّنة الثانية من الهجرة، وكان في هذه الغزوة المباركة أوَّل ‏انتصار حاسِم للإسلام على الكفر، وقد ظَهَر فيها بوضوح مددُ الله وتوفيقه ‏لأوليائه الذين صَدَقوا ما عاهدوا الله عليه، كما قال الله :
}فَلَمْ ‏تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى{ (الأنفال: 17)‏‏.‏
ولَمَّا أخذ المؤمنون بأسباب النصر مِن صِدق الإيمان، وحُسنِ التوكُّل على الله، واليقين في ‏وعده: }إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ{ (محمد: 7)، والإخلاص، وسلامة القلْب، ‏وإعداد العدَّة، والصبر عندَ اللِّقاء – أقول: لَمَّا أخذ المجاهدون بهذا كلِّه أنزل الله ‏ملائكتَه إلى ميدان القِتال، ومَن يقوى على مواجهةِ الملائكة؟!
وفي ذلك يقول الله : }إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ‏ءَامَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ ‏بَنَانٍ{ (الأنفال: 12).‏
ولن ينتصرَ المسلمون على أعدائهم إلاَّ إذا انتصروا على أنفسهم وكبحوا جماحَها، ‏وشهر رمضان هو خيرُ معين بعدَ الله للانتصار على النفس الذي هو طريقُ النصر ‏على الأعداء؛ ولذلك سمَّى بعضُ العلماء جهادَ النفس (الجهاد الأكبر)؛ تنبيها على هذا المعنى ‏الجليل، ولم يصح فيه حديث.
وفي شهر رمضان في السَّنة الثانية من الهجرة فُرِضت زكاة الفطر التي هي ‏طُهرةٌ للصائم، وطُعْمة للمساكين، ومن لطائف أحكامها أنَّها تجب على مَن يملك ‏قوتَ يوم وليلة، وهذا نصابها، وهو ميسور لكل فقير، وهذا يعني أنَّها تجب على الفقراء، فلمَن يُعطيها الفقير؟ ‏يُعطيها لفقير آخَرَ.
وهو لا يخرج إلاَّ هذه الزكاة، فيعتادُ على العطاء والجود، وإن ‏كان فقيرا، ويخرج بها الفقيرُ من بيته ليلةَ العيد قاصدا بيتَ فقير آخر، فيلقاه ‏أخوه الفقير، وقد حَمَل كلٌّ منهما زكاتَه لصاحبه، فيتبادلان الزكاة! إنَّها ‏درسٌ عملي في العطاء والجود، والكرم والسخاء.
وفي السنة الخامسة من الهجرة في رمضان كان الاستعدادُ لغزوة الخندق، أو (‏الأحزاب) التي انتصر فيها المسلمون بفَضل الله ورحمته بغير قتال ولا معركة، ‏سوى مبارزات ومناوشات محدودة؛ }وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا ‏خَيْرا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّا عَزِيزا{ (الأحزاب: 25).‏
وفي شهر رمضان كان الفتحُ الأكبر (فتح مكة)، وكان ذلك في الحادي ‏والعشرين من رمضان في السَّنة الثامنة من الهجرة، وكان هذا الفتح ثمرةَ جهادٍ ‏طويل بالسيف واللسان لسنوات طويلة، قد تحلَّى فيها المؤمنون الصادقون بالصبر ‏واليقين.‏

Read Previous

رمضان الكويت .. أجواء روحانية وترابط اجتماعي

Read Next

دوام رمضان .. العمل عبادة

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x