لا يشكل رحيل سمو الأمير سعود الفيصل، الذي يوصف بحق بأنه «مهندس السياسة الخارجية السعودية»، خسارة للمملكة الشقيقة وحدها، وإنما هو خسارة كبيرة وفادحة لكل دول مجلس التعاون الخليجي، وللأمتين العربية والإسلامية، وأكثر من ذلك فقد نعته دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأقرت جميعها بما كان له من دور مهم وفاعل في تطوير وتعميق علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، وما يمثله أيضا من وزن كبير في الديبلوماسية العالمية.
هذا الدور المهم ليس وليد اليوم، فقد ظل الفيصل – رحمه الله – يقود الديبلوماسية السعودية لأكثر من أربعين عاما، وينتقل بها مع إخوانه قادة المملكة من نجاح إلى نجاح… وقد لمسنا جميعا مكانته وقدراته في وقت مبكر. وأذكر أنني عندما كنت طالبا بالجامعة، في أواخر السبعينيات، أن شخصية صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل أعجبتني كثيرا، وكان وقتها يشغل منصبه وزيرا للخارجية الذي لازمه طويلا، ولفتني إليه نشاطه وحركته التي بلا حدود، وإدراكه أن المملكة ومنطقة الخليج كلها بحاجة إلى تحقيق قفزات في ميدان العلاقات الدولية، كي تسابق الزمن، وتلحق بركب التقدم والتطور والارتقاء.
ومن المؤكد أن أحدا في الكويت لا يمكنه أن ينسى يوما ما سجله الفقيد الكبير من مواقف رائدة وناصعة، إلى جانب الحق الكويتي إبان الغزو العراقي عام 1990، وحراكه الديبلوماسي الذي لم يهدأ، لرفض الاحتلال والانسحاب من الأراضي الكويتية، وإيمانه بأن قضية الكويت هي قضية المملكة، وأن بين دول مجلس التعاون ارتباطا لا ينفك أبدا، وهو ما كان أحد عوامل النصر وتحرير الكويت من الاحتلال البغيض.
وقد ظل الفيصل يحمل هذه الروح المهمومة بقضايا أمتيها العربية والإسلامية، حتى آخر يوم في حياته، لم يصرفه عن ذلك شيء قط، حتى عندما اشتد عليه المرض في شهوره الأخيرة، ظل يتنقل بين دول عربية وأجنبية، مشاركا فاعلا في المؤتمرات والاجتماعات الإقليمية والدولية، وبقي متوقد الذهن وافر النشاط، لا تفوته شاردة ولا واردة، رافضا أن يسكن إلى الدعة والراحة، وهو يعلم أن المنطقة العربية بأسرها أحوج ما تكون الآن إلى خبرته وثقافته السياسية والديبلوماسية، وعلاقاته الواسعة والمتشعبة بمعظم قادة وزعماء العالم، وقدرته على أن يسهم في معالجة كثير من أزمات المنطقة.
وإذا كان سمو الأمير سعود الفيصل قد رحل ونحن أحوج ما نكون إليه، فيكفيه أنه أدى دوره كأروع ما يكون الأداء، ويكفيه أيضا أنه عاش ومات «فارسا شجاعا نبيلا»… رحمه الله رحمة واسعة، وعوض الأمة من بعده خيرا.