عندما كنت أتابع مجريات الاحتفال المهيب بمشروع قناة السويس الجديدة، وأشاهد الرئيس عبدالفتاح السيسي فوق يخت «المحروسة»، ثم وهو يعطي إشارة البدء بهذا المشروع المبشر لمصر وللمنطقة وللعالم كله، عادت بي الذاكرة إلى الوراء، حين التقيت الرئيس السيسي، وهو لايزال وزيرا للدفاع، في جلسة حوار امتدت عدة ساعات، وتطرقت إلى كثير من القضايا المصرية والعربية والدولية، وأيقنت من خلالها أنه يمتلك كل مقومات القيادة التي تؤهله لرئاسة دولة كبيرة بحجم ومكانة مصر، فهو صاحب رؤية قادرة على استشراف المستقبل، كما أنه قارئ جيد للأحداث التي تجري من حوله، ولديه القدرة على ربط الأمور بعضها ببعض، وإدراك الأبعاد التي قد تخفى على كثيرين من وراء الظاهر البادية أمامنا، فضلا عن إيمانه الذي لا يتزعزع بوحدة المصير العربي، خصوصا بالنسبة إلى ما يربط مصر بدول مجلس التعاون الخليجي.
وقد كان الشعب المصري عند حسن الظن به، كما هو دوما، فاختار السيسي رئيسا له في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي… وخلال فترة عام من حكمه ثبت لنا أيضا أن نظرتنا فيه لم تخطئ، فها هو ينتقل بمصر من نجاح إلى نجاح، وقد كان همه الأول أن يرسي دعائم الأمن والاستقرار في وطنه الذي عانى لما يزيد على ثلاث سنوات ألوانا شتى من الاضطراب الأمني، وسيطرة الخوف والقلق على مشاعر المصريين الذين لم يكن كثيرون منهم يأمنون على أنفسهم وأولادهم وأموالهم وممتلكاتهم… ويشهد الجميع أنه حقق في هذا الشأن نجاحا لافتا، تزامن أيضا مع نجاحه في لجم الإرهاب بمنطقة سيناء، ونعتقد أن الأمور فيها دانت بشكل كبير لقوات الأمن والجيش، ولم نعد نسمع عن عمليات كبيرة ومثيرة للفزع، كما كان يحدث من قبل.
ومع ذلك كله لم يكن البعد الاقتصادي والتنموي غائبا عن رؤية الرئيس وإستراتيجية عمله في أي لحظة، فمع استتباب الأمن عادت ماكينة العمل والإنتاج للدوران، كما عاد السياح للإقبال على زيارة مصر مجددا، وحقق المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي احتضنته شرم الشيخ في مارس الماضي إنجازا كبيرا، أسفر عن كم غير مسبوق من التعاقدات على إقامة مشاريع استثمارية في مصر… ثم توج هذا المسار الصاعد بقوة، بالحدث الأكبر الذي تمثل في افتتاح قناة السويس الجديدة، التي لم تشكل بالنسبة للمصريين مشروعا تنمويا طموحا فقط، بل شكلت لهم تحديا كبيرا لإرادتهم وشجاعتهم وإصرارهم على مواجهة ما اعتبره البعض مستحيلا، وهو حفر القناة خلال سنة واحدة، لكن المصريين فعلوها، وبهروا العالم كله، فوقف – ممثلا في زعمائه وكبار مسؤوليه الذين حضروا حفل الافتتاح – يصفقون لانتصار الإرادة المصرية، ولقدرة هذا الشعب المدهشة على تخطي أحزانه وآلامه، وتحويلها إلى مسرات ومباهج له ولأمته وللدنيا كلها من حوله.
إنه شعب يستحق ما هو أكثر من الإعجاب والتقدير، تماما كما يستحق قائده التحية والإشادة بما حققه من إنجازات لا تخطئها العين، خلال مدى زمني قصير، والأهم ما غرسه من أمل في نفوس شعب كان في أمسِّ الحاجة إلى هذا الأمل الذي افتقده طويلا.