أمام هذا الكم من الوقائع والأحداث الإرهابية التي تفاجئنا كل يوم بالجديد، حيث تضرب اليوم في السعودية، وفي الغد تضرب في الكويت، ثم تعود بعد الغد لتضرب مجددا في مكان آخر من المملكة الشقيقة، لم يعد يجدي في شيء أن نقف صامتين إزاء هذه الظاهرة الخطيرة، خصوصا وقد بات واضحا أنها لا تستهدف شريحة بعينها من المجتمع، فهي تفجر يوما مسجدا للشيعة، ثم تنعطف يوما آخر إلى مسجد للسنة فتدمره على من فيه من المصلين، فهؤلاء البشر هم أعداء للإنسانية كلها، وخصوم للحياة ذاتها.
وإذا كنا نسلم بأن المواجهة الأمنية مع هؤلاء المجرمين واجبة وضرورية، ولا يمكن الاستغناء عنها، خصوصا وقد باتت بعض هذه الجماعات تمتلك أسلحة قد لا تتوافر أحيانا لبعض الجيوش، كما ثبت أن أفرادها يتلقون تدريبات احترافية متقدمة، وقد تعدى هؤلاء مرحلة الحوار أو النقاش ومقارعة الحجة بالحجة… وقد أقرت الكويت بذلك، كما تبدى في برقية التعزية التي بعث بها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد إلى أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، وعبر فيها سموه عن استنكار الكويت وإدانتها الشديدة لعملية التفجير الارهابية التي استهدفت مقر مسجد قوات الطوارئ بمدينة أبها جنوبي المملكة، في أثناء تأدية صلاة الظهر، وأكد سموه وقوف الكويت وتعاطفها مع المملكة الشقيقة، وتأييدها جميع الاجراءات التي تتخذها للتصدي لهذه الاعمال الارهابية التي تهدف الى زعزعة امن واستقرار البلد الشقيق… إذا سلمنا بذلك – أي بأهمية المواجهة الأمنية ـ فإننا لا بد أن ننتبه أيضا إلى أن الحاجة الماسة إلى المواجهة الفكرية لم ولن تنقطع أبدا، ذلك لأن هذا النوع من المواجهة لا يستهدف فقط المتورطين حاليا في أعمال العنف والإرهاب، وإنما يستهدف كذلك أولئك الواقفين على الحافة، و«المذبذبين» بين الفريقين، وكذلك سائر الفتيان والناشئة والشباب من ذوي الأعمار الصغيرة، القابلين للتشكل وإمكان إعادة صياغة أفكارهم وغسل أدمغتهم، وهؤلاء هم الذين يشكلون «المادة الخام» التي تستثمرها الجماعات المتطرفة أسوأ استخدام، وتوجهها للتخريب والقتل والتدمير.
وإذا كانت هذه المواجهة الفكرية مسألة منشودة وحتمية، فإنها لاتزال أملا قائما من دون تحقق فعلي على الأرض، فعلى الرغم من إقامة العديد من مراكز الدعوة والإرشاد والدراسات التي تحمل تارة مسمى الوطنية، وتارة أخرى مسمى التنوير، وانتشارها في العديد من الدول الخليجية والعربية، فإنه لم يظهر لها أي أثر ملموس حتى الآن، بل الواقع المشاهد هو استفحال خطر التطرف، وتمدد مساحة العنف، واتساع دائرة الإرهاب. ولعل ذلك يرجع – بالدرجة الأولى – إلى أننا لم نمتلك بعد فضيلة الاعتراف بأخطائنا، وبالقصور الواضح في مناهجنا التعليمية التي تفرز لنا كل هذا الكم من المتطرفين والجانحين إلى العنف، وأصحاب الفكر السطحي الهش القابلين للتأثر السريع بدعاة الإرهاب والانضواء تحت أجنحتهم والائتمار بأمرهم، أي ننفق ميزانيات ضخمة على تلك المراكز، والمحصلة «صفر كبير»!
ليس معنى ذلك أننا ندعو إلى اليأس من إمكان نجاح تلك المواجهة الفكرية، بل إننا نقرر أنها لا بد أن تنجح، لأن البديل لفشلها هو أن يغرقنا طوفان الكراهية والأحقاد والرغبة في الانتقام، لكن هذا النجاح له شروطه، وهو يستلزم ـ كما أشرنا – شجاعة الاعتراف بأخطائنا السابقة، وسلبية معالجاتنا، وعجزنا عن توفير مناهج تعليمية في المدارس والجامعات، وبرامج توعوية في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، تكرس لمبادئ وقيم التسامح وقبول الآخر، والقدرة على إقامة حوار راقٍ مع المختلفين معنا في الرأي والموقف، والإيمان بأن البشر جميعا إخوة في الإنسانية، وأن الله خلقهم «ليتعارفوا» ويتحابوا، لا ليتنافروا أو يتشاحنوا ويتحاربوا. إذا وصلنا إلى هذه القناعة، فعندها نستطيع أن نقرر أننا وضعنا أقدامنا على أول طريق النجاح.