فنَّدت رئيسة وحدة الاعتماد الأكاديمي بكلية الهندسة والبترول جامعة الكويت معالي محمد اليوسف الادعاء بأن التعليم في الكويت منفصل عن الواقع، وأن الخريج لا يستفيد مما تعلمه في رحلة العمل، مؤكدة ان هذا الامر ظاهرة عالمية «حتى في اليابان، المعلومات التي يحصل عليها الإنسان في الجامعة لن يطبقها خلال العمل كما يقول الكتاب، ومن الطبيعي أن تجد حديث التخرج لا يعرف من أين يبدأ».
وأشادت اليوسف بالعمل في كلية الهندسة والبترول، معتبرة ان مختبر التحكم الذي عملت فيه بالتدريس «لا يوجد له مثيل في الشرق الأوسط».
ودعت الشباب إلى الصبر وتحمل مشاق العمل، وقالت: «الحياة ليست وردية، فالإنسان عليه أن يحدد أولوياته ويركز على العمل الإيجابي، وأهم ما يعنيني في عملي هو طبيعة عملي، فالمادة لا تعنيني بقدر أن أكون مرتاحة في عملي».
وأكدت ان العمل في القطاع الخاص افضل من القطاع الحكومي، موضحة أن «المردود أعلى سواء كان ماديا أو ترقية، وخلال فترة عملي كثيرا ما تمنيت العمل في القطاع الخاص، وتدربت إلا أن ظروفي الاجتماعية منعتني من العمل في القطاع الخاص».
وأعربت عن ثقتها في قدرة شباب الكويت على قيادة دفة التنمية قائلة «الشباب الكويتي يقدرون أن يقدموا الكثير، والطاقة لديهم وفي آخر 5 سنوات شاهدنا الطاقات الشبابية لأن الحكومة ممثلة في وزارة الشباب بدأت تهتم بتنمية قدراتهم».
«الخليج» التقت المهندسة معالي اليوسف، وكان معها هذا اللقاء:
< بداية نريد أن نتعرف على دراستك وهل كانت في الكويت أم في الخارج؟
ـ دراستي كانت في الكويت وتخرجت في جامعة الكويت ـ قسم الهندسة الكهربائية.
< أين عملت بعد التخرج؟
ـ عملت في وزارة الداخلية، ومن ثم أخذت الماجستير في إدارة الأعمال، ثم انتقلت إلى العمل في جامعة الكويت، ودرست في الجامعة.
< بعض الناس يشتكون من التعليم في الكويت بأنه أقل من الطموح المطلوب؟
ـ بالنسبة لي الموضوع عالمي، فالتجربة التعليمية تختلف نهائيا عن تجربة العمل في كل دول العالم، حتى في اليابان، فالمعلومات التي يحصل عليها الإنسان في الجامعة لن يطبقها خلال العمل كما يقول الكتاب، خطوة وراء خطوة، فالتجربة مختلفة، لكن هذا الإنسان الذي تعلم لديه حصيلة يستخدم من خلالها ما تعلمه في الجامعة، أو ما تعلمه في التدريب الميداني، ومن الطبيعي أن تجد حديث التخرج لا يعرف من أين يبدأ، ولكن من خلال تجربته في العمل يبدأ تطبيق العلوم التي تعلمها في الجامعة، ولكن لا يوجد كتاب عقب تخرج الإنسان من الجامعة يعلمه كيف يعمل، وبالنسبة إلي هذا الأمر جيد، لأن الإنسان عقب التخرج لا يدري إذا كان سيستمر في التخصص الذي درسه في الجامعة أم لا، فعندما يتجه إلى العمل يبدأ يقرر إذا كان سيعمل في العمل الذي تخصص فيه في الجامعة، أم أنه سوف يغير هذا التخصص، وهناك مهندسون ما يعملون مهندسين، يعملون مصممين، أو يعملون في الإذاعة، وفي أطباء تركوا الطب وذهبوا للعمل في بنوك، فالإنسان أول سنوات تخرجه يمتحن نفسه وقدراته وهل هو قادر على العمل في هذا التخصص، أم لا.
< هل أنت من ضمن هؤلاء الأشخاص الذين غيروا تخصص دراستهم في العمل؟
ـ بالفعل عندما عملت في الداخلية كنت مهندسة تحكم، وظيفتي كانت الخروج إلى الشوارع وأعد السيارات على التقاطعات، وأقوم بإعداد دراسة عن عدد السيارات الموجودة، وبالتالي أتحكم في توقيت الإشارات المرورية، كنت أسير في العمل، ولكني لم أشعر بأن تلك هي الوظيفة التي ترضيني، فلم أحبها، على الرغم من أنني مهندسة، إلا أنني لم أر في نفسي حب الخروج إلى المواقع الميدانية واختبار الشوارع وأضبط توقيت.
< ماذا كان قرارك خلال تلك الفترة؟
ـ قمت بدراسة إدارة الأعمال، وبعد الدراسة غيرت طموحي وبدأت العمل في القطاع الخاص متدربة فقط في شركات استثمارية، كنت أعمل مجانا في شركة استشارات مالية، كذلك لم تعجبني طبيعة العمل، فوجدت أن العمل ممل، كنت استطيع أن أكمل في هذا المجال إلا أنني لم استطع، حتى تقدمت للعمل في جامعة الكويت، وعملت في الجامعة.
< ما هي طبيعة عملك في الجامعة؟
ـ في الجامعة طبيعة عملي كانت مختلفة تماما، وأصبحت مرشدة أكاديمية للطلبة، وأحببت هذا العمل، لأنني أحببت التعامل مع الجمهور، والعمل مع الطلبة، وبدأت أقوم بعمل خطط للطلبة المتفوقين كيف يتخرجون بسرعة، وبدأت كذلك أقوم بعمل خطط للطلبة المتعسرين بالمحافظة على معدلاتهم والتخرج في الوضع السليم، وتدرجت في العمل، وأعطوني مختبرا، وقمت بالتدريس، وهو مختبر تحكم لا يوجد له مثيل في الشرق الأوسط، وعملت عليه وقمت بتدريب المهندسين، وأقمت تجارب، وأنا في الجامعة وجدت قسما آخر ينظم معارض للطلبة لخريجي الهندسة، فعملت معهم، وذلك لأنني أحب التعامل مع جمهور، وكيف يقوم الطالب بإنهاء مشروعه ويعرضه، وكيف يتحدث مع الجمهور، فعملت بالتنظيم حتى أتتني فرصة اعتماد أكاديمي، وعملت في الإرشاد الأكاديمي.
< لماذا احببت هذا العمل عن غيره؟
ـ ذلك لأن الإرشاد الأكاديمي نفعني، فأنا الآن أعرف كل المواد التي تدرس في كلية الهندسة والبترول، وأقوم حاليا بإنشاء الكتيب الخاص بالطلبة، وإذا كانت هناك شهادة حاصل عليها أحد من الخارج لا بد أن تمر علينا أنا ومديري في العمل، ونبحث إذا كانت هذه الشهادة معتمدة ومقبولة أم غير مقبولة، والآن عاجبني عملي جدا، لأنني أدخل على مواقع الجامعات وأتعرف على أناس، إضافة إلى التعامل مع الطلبة بشكل مباشر.
< هل من السهل أن ينتقل الإنسان من وظيفة إلى أخرى بحثا عن الراحة في العمل؟
ـ ليس الأمر سهلا، ومن المفترض أن يصبر الإنسان على عمله، وأنا خلال عملي في المختبر عملت سنتين، وأكملت المسيرة خلال عملي وفقا لما اتفقت عليه، فكنت ألتزم خلال العمل، إلى أن تتاح لي الفرصة في الانتقال إلى عمل آخر، ولم أكن أنتقل إلا بعد أنهي عملي، وكنت أسعى دائما إلى إرضاء طموحي في العمل.
< ماذا كان طموحك في العمل؟
ـ كنت دائما أسعى إلى أن يكون هناك دافع إيجابي في عملي يدفعني إلى الذهاب إليه في كل صباح، وهناك أناس ينتقدون كوني مهندسة ولا أعمل مهندسة، وهذا الأمر يعود لي، فأنا من أختار هذا الأمر، وأنا من خلال هذا الاختيار لا اتمتع بالامتيازات المادية التي يتمتع بها المهندسون في أماكن أخرى، فأنا ماديا أقل منهم راتبا، لكنني مرتاحة في طبيعة عملي وأنا مرتاحة في عملي ولله الحمد.
< هل الراحة في العمل مطلب ضروري لكل إنسان؟
ـ على المدى الطويل نعم هي مطلب ضروري، ولكن على الإنسان أن يتحمل، فكثيرا ما يكون الإنسان في وظيفة جيدة، لكن مديره في العمل سيئ، وعلى الإنسان أن يسعى إلى التعامل معه، وأحيانا يكون المدير جيدا ولكن طبيعة العمل غير ملائمة، لذلك على الإنسان أن يسعى إلى أن يعرف الأولويات لديه في عمله، ولا يوجد شيء سهل، فالحياة ليست وردية، فالإنسان عليه أن يحدد أولوياته ويركز على العمل الإيجابي، وأهم ما يعنيني في عملي هو طبيعة عملي، فالمادة لا تعنيني بقدر أن أكون مرتاحة في عملي.
< لماذا اخترت الهندسة في بداية حياتك للدراسة؟
ـ كنت متفوقة في دراستي منذ طفولتي، وأهلي رحبوا بأن أدرس الهندسة، وأنا أتوقع لو عاد بي الزمن مرة أخرى سوف أدرس الهندسة، لأن عقلية المهندس مرنة جدا، وهناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن يعمل بها، بخلاف الطبيب، فالطبيب يعمل فقط في الطب بخلاف الهندسة فهي مهنة مرنة جدا، وتلك من الأسباب التي جعلتني أدرس الهندسة.
< هل هناك فرق بين العمل في القطاعين الخاص والعام كونك خضت التجربة في القطاعين؟
ـ هناك فارق كبير بين العمل في القطاع الخاص والعام، أولا في ساعات العمل في القطاع الخاص العمل أكثر، ويطلب مجهودا أكثر، إلا أن المردود أعلى، سواء كان ماديا أو كانت ترقية، فالترقية في القطاع الخاص أسرع بكثير من القطاع الحكومي ذات الأعداد الكبيرة، وخلال فترة عملي كثيرا ما تمنيت العمل في القطاع الخاص، وتدربت إلا أن ظروفي الاجتماعية منعتني من العمل في القطاع الخاص، فأنا أم وأبنائي في أولوياتي قبل أي شيء.
< هناك من الناس من تأتي الأسرة في آخر أولوياتهم فماذا تقولين في ذلك؟
ـ أنا لن أقول انني الأم المثالية، لكن خلال الفترة الأولى من عمر الأطفال التي لم يتعد فيها الطفل 4 سنوات من المفترض أن تقوم الأم بالتربية، أو الجدة، وبعد ذلك ممكن أن تساعد المربية لأن الطفل في وقتها يتحرك، والمربية لن تقوم بدور الأم، إلا أنه عندما يكبر لن يحتاج إلى الأم بالشكل التي يحتاج إليها خلال فترة عمره الأولى، وأنا شخصيا أمي ساعدتنا خلال فترة دراستي للماجستير كنت أعمل صباحا، وأدرس ليلا، وساعدتني أمي خلال تلك الفترة، وأنا أولادي أهم شيء عندي في الدنيا.
< ما هو مثلك الأعلى في الحياة؟
ـ أمي وأبي مثلي الأعلى في الحياة، فأمي إنسانة حنونة بيتوتية تربي وتهتم، فهي أم بها الحنية وأنا أحب حنيتها، إضافة إلى إنها إنسانة أنيقة ومرتبة جدا، ووالدي كذلك، إضافة إلى أنه إنسان دقيق ومثقف كثيرا، ويحب دائما الالتزام في المواعيد، ودائما يحفزنا على أن نثقف أنفسنا، لذلك أقول إن أمي وأبي هما قدوتي في الحياة.
< أين أنت من العمل التطوعي؟
ـ العمل التطوعي اكتشفته قبل قرابة 4 سنوات، وأخذ كثيرا من اهتمامي، فهو شيء مهم جدا، أثر بي كثيرا، وصقل شخصيتي، وزاد ثقتي، وجعلني أسعى إلى مساعدة الناس وحب العطاء، وبدأت العمل في العمل التطوعي في جمعية المهندسين.
< هل هناك عمل ما تعملين به خلال تلك الفترة؟
ـ في مركز التوظيف في جمعية المهندسين الكويتية، حيث نقوم بمساعدة المهندسين الراغبين في العمل في القطاع الخاص، فنقوم بالتواصل مع الشركات الكبرى من أجل توظيف هؤلاء المهندسين، ومن خلال هذه الشركات نعرف الشروط المطلوبة والتخصصات، ومن ثم نبدأ استقبال السير الذاتية ونرسلها إلى الشركات، وهذا عمل تطوعي لا يوجد عليه مقابل، وتلك الخدمات نقدمها للمهندسين الكويتيين وغير الكويتيين، إضافة إلى أن لدينا توجها لإقامة دورات خلال العام القادم في تخصصين مهمين: أولهما كيفية كتابة سيرة ذاتية بشكل لائق، والأمر الثاني كيف تختار التخصص الذي تعمل به، وأسعى إلى تهيئة الطلبة في جامعة الكويت ليكونوا على استعداد لاستقبال وظائفهم.
< هل هناك إقبال من قبل المهندسين على الخدمات التي تقدموها في المركز؟
ـ هناك إقبال كبير من المهندسين، فمركز التوظيف صغير، لكن عدد المهندسين المتطوعين في الجمعية يفوقون 200 مهندس، هذا في الوقت الطبيعي، إذا لم يكن هناك فعالية كبيرة، وإذا كانت هناك فعالية كبيرة ستجد أعدادهم بالآلاف، وفي الأيام العادية هناك حضور للمهندسين المتطوعين في الجمعية.
< هل تفضلين قراءات معينة بعيدا عن الهندسة؟
ـ كثيرا ما أقرأ في علم الأديان، وأحب قراءة التاريخ والاقتصاد الدولي، فقرأت في الدينات الشرقية وسعيت إلى المقارنة بين الأديان، ووجدت أن المصدر في الغالب واحد، إلا أنه مع اختلاف الترجمات عبر السنين تغيرت الأديان، وأحب القراءة في الأساطير والقصص القديمة.
< ما هو طموحك المستقبلي؟
ـ أطمح إلى الترقي في عملي، وأتولى مهام إدارة للاعتماد الأكاديمي، وأطمح إلى أن يكون لدي عملي الخاص قبل أن أتقاعد، وفي الغالب ستكون تقديم خدمات لحبي التعامل مع الجمهور.
< هناك من اتهم الشباب الكويتي بأنه لا يستطيع أن يقود التنمية داخل الكويت فماذا تقولين في ذلك؟
ـ أرى نفسي من شباب الكويت، والشباب الكويتي يقدرون أن يقدموا الكثير، والطاقة لديهم وفي آخر 5 سنوات شاهدنا جميعا تلك الطاقات الشبابية لأن الحكومة ممثلة في وزارة الشباب بدأت تهتم بتنمية القدرات الشبابية، فالشباب الكويتي منذ 10 سنوات كانوا يحتاجون إلى من يهديهم إلى الطريق، وكانت هناك طاقات شبابية تعمل بشكل فردي، إلا أن الأضواء لم تكن مسلطة عليها، وعندما سلط الضوء عليها انتبه أصحاب النفوذ في البلد إلى أهمية تنمية الشباب وتنمية قدراتهم، والشباب الكويتي الآن مع الحكومة بدأوا يسيرون في الطريق الصحيح، والشعب الكويتي لا بد أن ينظر إلى المستقبل نظرة إيجابية لأن الشباب يستطيع أن يعطي ويقدم لبلده.
< كيف تقيمين خطة التنمية الحالية التي تطبق في الكويت؟
ـ أرى الكثير من المشاريع التنموية التي يتم إنشاؤها إلا انها لاتزال بطيئة، فهي تسير سير السلحفاة، ولا نلوم الحكومة لأن الإجراءات تسير ببطء جدا، فعند السعي لإقامة مشروع صغير تأخذ إجراءات الإعداد له عاما أو عاما ونصف العام، مع توفر الأموال، فهناك إجراءات روتينية لو تم تخفيفها سوف تسير الأمور، إلا أن هناك أملا وهو بطيء جدا.
< هل تتابعين مواقع التواصل الاجتماعي؟
ـ بالفعل أتابع أكثر من متابعة الصحف، ومن خلال تلك المتابعات أسعى إلى متابعة الأشخاص أصحاب المصداقية وأصحاب الآراء المعتدلة ويحبون الكويت، وأحب من يتحدث من خلال الوثائق، وأسعى إلى تحليل الكلام وأكون موضوعية في تقييمي، ومواقع التواصل الاجتماعي فيها أشخاص لهم تأثير كبير على الناس.
< لو خيرتِ أن تكوني وزيرة في يوم من الأيام هل تقبلين هذا المنصب؟
ـ أقبل به إذا كانت وزارة استطيع من خلالها أن أخدم بلدي، وسوف أسعى إلى أن أؤثر على الناس بالإيجابية من أجل خدمة وطني، والإنسان عليه أن يكون إيجابيا ومؤمنا بالله عز وجل، وذلك البلد أعطانا كثيرا وهو أرض مباركة وعلينا أن نعمل من أجل خدمة هذا البلد، وإن شاء الله يعطينا مثلما نعطيه، وعلينا أن نبتسم ونعمل بحب، فالابتسامة كما قال ديننا الحنيف صدقة نكتسبها عندما نعمل بها.