كان مشهدا أكثر من رائع، ذلك الذي سجلته مساجد الكويت يوم الجمعة الماضي، ببساطة لأنه كان تعبيرا عن الكويت المتحابة المتآلفة، التي لا تعرف الفرقة أو الشقاق.
ففي هذا اليوم استمع المصلون جميعا، إلى خطبة موحدة عممتها وزارة الأوقاف على كل مساجد الدولة، والتزم الخطباء بلا استثناء بإلقائها، ودار موضوعها الأساسي حول أهمية الوحدة الوطنية ولزوم الجماعة، ورفض أي محاولات للفرقة أو الفتنة، والتأكيد على أن ما يجمع الكويتيين أكبر بكثير مما يفرقهم، وأنهم جميعا في سفينة واحدة إن حافظوا عليها من العطب والخراب، وأصلحوا ما قد يعتريها من تشوه وخلل، نجت ونجوا جميعا، وإن فرطوا في رعايتها والعناية بها وتركوها نهبا للإهمال، غرقت وغرقوا معها، لا قدر الله.
ولا شك في أن هذه الخطبة الموحدة والمهمة قد تركت تأثيرا طيبا في نفوس كل المواطنين، ليس فقط لمضمونها الرائع، وما احتوته من استشهادات قرآنية ونبوية في صميم الموضوع، وإنما أيضا لأنها جاءت متواكبة مع ظروف وملابسات جعلت لها كل تلك الأهمية، وهي ظروف مررنا ببعضها في الداخل، وأخرى تواجهها منطقة الخليج والمنطقة العربية بأسرها، تحتم علينا – كما أكد صاحب السمو الأمير في أكثر من خطاب له – أن نكون يقظين وحذرين، وألا نفتح ثغرة في جبهتنا الداخلية، يتسلل إلينا منها المتربصون بنا ومن يريدون الشر لنا.
وعلينا أن ندرك أن الكويت – بوجه خاص – تمثل نموذجا يعاديه ويكرهه المتطرفون والتنظيمات الإرهابية، ذلك أنها تعد النموذج النقيض لتلك الجماعات التي تسوِّق للعنف والتطرف والغلو، ولكراهية الآخر المخالف لها في الدين أو المذهب أو التوجه السياسي… وعلى العكس من ذلك كله فإن الكويت ظلت طوال مئات السنين تشكل نموذجا رائدا ومتميزا للتعايش بين كل الأديان والطوائف والأعراق والتيارات السياسية، وهي أيضا نموذج للتسامح وقبول الآخر، مثلما باتت في نصف القرن الأخير نموذجا للديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وكونها «دولة القانون» التي يعد الأساس فيها هو «المواطنة» ولا شيء آخر، وينص دستورها على أن جميع المواطنين أمام القانون سواء، كما أنهم متساوون في الحقوق والواجبات… ونحن ندرك تماما أن ما يجمعنا أكبر بكثر مما يفرقنا، وأن الاختلاف في الرأي ليس عيبا… المهم أن ندير خلافاتنا بنجاح ذكاء.
هذا النموذج المتميز يعتبر معوقا لتمدد الجماعات الإرهابية وتغولها، ومحاولتها السيطرة على عقول شبابنا، فيما ظلت الكويت واعية بذلك المخطط المدمر، ولذلك كانت حريصة على أن توفر لشبابها أفضل الظروف التي تساعدهم على تحصيل أكبر قدر ممكن من العلوم، ونيل أفضل وأرقى مستوى ممكن من التعليم، فأرسلت الآلاف من شبابها في بعثات علمية إلى جامعات عربية وأوروبية وأميركية، إيمانا منها بأن التفتح العلمي والثقافي والحضاري هو أكبر «مصد» لموجات التطرف والإرهاب، وأن الشباب الذين يقعون فريسة للجماعات المتطرفة هم الأقل تعليما، والأضعف احتكاكا بثقافات وحضارات أخرى.
ما نريد أن نخلص إليه هو أن الكويت حالة فريدة في المنطقة، بديموقراطيتها وحرياتها، ودستورها وقانونها، والتزامها الشديد بمبادئ حقوق الإنسان، ولذلك فهي تثير أحقاد البعض وضغائنهم، وفي الصدارة من هؤلاء تلك الجماعات المنغلقة فكريا وثقافيا، والتي لا تعرف إلا الغلو منهجا، والتطرف سبيلا، وقتل المخالفين لها غاية.. ومن ثم يصبح لزاما علينا جميعا أن نحافظ عل هذا النموذج، وأن نحمي الكويت من كل من يستهدفها من قوى الشر، وأول الطريق إلى ذلك هو التمسك بوحدتنا الوطنية، التي كانت عاصما لنا، وحبل نجاة في كل الأزمات والتحديات التي واجهتنا، وليس سواها يمكن أن يشكل أمام أي أزمة أو تحدٍ، عاصما وحبل نجاة، وحصنا نأوي إليه فيؤوينا ويكون الملاذ لنا في كل وقت وحين.