زيارة الدول الأجنبية ـ شرقا وغربا ـ ليست مجرد رحلات للسياحة أو النزهة والتمتع بطيبات الحياة الدنيا فيها، وإنما هي شيء أكبر من ذلك بكثير، فأنت تلتقي في هذه الدول شعوبا وثقافات وحضارات مختلفة، ويتحقق لك من خلال هذه اللقاءات المعنى العظيم الذي أبان عنه القرآن الكريم لمبرر خلق الله الناس «شعوبا وقبائل» وهو «ليتعارفوا»… فالسفر والترحال يحققان لك هذا التعارف في أجلى معانيه، وأوضح صوره وأشكاله.
وما أريد التوقف عنده اليوم، تحديدا، هو ما لمسته من زيارتي لعدد من الدول الأوروبية، فضلا عن الولايات المتحدة هذا الصيف… ذلك أن المقارنة بين أوضاع هذه الدول وبين الكويت تفرض نفسها، سواء قصدنا ذلك أو لم نقصده… وعلى الرغم من أننا نتحدث عن دول كبرى، فإننا لا نعدم بعض أوجه الشبه معها، فلدينا ما لديهم من ثروات مالية ورفاهية معيشة، والأهم أن لدينا ما لديهم من ديموقراطية، لكن الفارق الذي تتحتم ملاحظته أن الديموقراطية في تلك الدول الكبرى والمتقدمة، موجهة دوما لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق النهضة في كل مجال، فلا تكاد تسمع فيها عما نواجهه عندنا وألفناه طويلا من «تأزيم سياسي»، وإساءة استخدام الأدوات الدستورية، أو محاولة تجيير البرلمان لمصالح شخصية وفئوية، خصوصا أن لديهم ناخبين يراقبون مشرعيهم ولا يسمحون لهم بأن «يشطحوا» بعيدا، أو أن يشوهوا الديموقراطية، وينفروا الناس منها، كما حدث عندنا فترات طويلة.
ما تلمسه في هذه الدول، أيضا، أن حركة العلم والتكنولوجيا تندفع في مسارها التصاعدي بقوة غير مسبوقة في التاريخ، وكل يوم تقرأ أو تسمع عن اكتشاف جديد يفيد البشرية، ولا تملك إلا أن تتحسر على ركود النهضة العلمية في كل دول منطقتنا العربية، إلى حد أن أيا من جامعاتها لا تدخل في التصنيف السنوي لأفضل 500 جامعة في العالم، ولا نكاد نسمع يوما عن عالم عربي ـ ونعني أنه مقيم في دولنا العربية ولا يعيـش في الغرب ـ قدم للبشرية اختراعا مفيدا أو اكتشافا نافعا، بل إنه بينما الأمم الناهضة تقود العالم إلى نهضة علمية غزت الفضاء وارتادت الكواكب الأخرى، وتخطط لانتقال البشرية للعيش فيها، فإننا ـ نحن العرب ـ لانزال نخوض سجالات ـ وحروبا أحيانا ـ بسبب خلافنا على قضايا «ماضوية»، حدثت قبل ألف وبضع مئات من السنين، لكننا مازلنا مشدودين إليها، ومحكومين بإطارها، وعاجزين عن الإفلات من إسارها.
تلك بعض الخواطر التي أوحت بها زيارتي لعدد من دول العالم هذا الصيف، وما أكثر ما توحي به تلك الزيارات، خصوصا أننا مهما سافرنا واغتربنا، نظل نحمل الكويت في قلوبنا وأذهاننا، في كل مكان، وفي أي بقعة من الأرض.