الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى الولايات المتحدة، لم تبرهن فقط على قوة العلاقة التي تربط بين المملكة العربية السعودية وأميركا، وإنما برهنت أيضا على مكانة المملكة على المستوى العالمي، والتقدير الذي تكنه دول العالم المختلفة لها ولقيادتها… وقد تجلى ذلك منذ اللحظات الأولى للزيارة، عندما كسر الرئيس الأميركي باراك أوباما البروتوكول، وقام باستقبال العاهل السعودي أمام بوابة الجناح الغربي في البيت الأبيض، في تصرف عد نادرا، حيث يقتضي البروتوكول الرئاسي، في البيت الأبيض، أن يستقبل الرئيس الأميركي ضيوفه من زعماء ومسؤولين في المكتب البيضاوي، ويقوم بالترحيب بهم، ومن ثم تبادل الكلمات بين الرئيس وضيفه قبل عقد اللقاء المشترك، لكن ما فعله أوباما في استقبال خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، تجاوز قواعد البروتوكول، وهو ما أثار دهشة المراسلين الذين يغطون أخبار البيت الأبيض، واعتبروه نوعا من التقدير الرفيع من جانب القيادة الأميركية للقيادة السعودية. ولم يكن ذلك مستغربا، فقد ذهب الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى واشنطن، والمملكة العربية السعودية تتبوأ هذه الأيام مركز الصدارة والقيادة في المنطقة، خصوصا بعدما حققت الحملة التي تقودها ضد الحوثيين وأتباع علي صالح في اليمن نجاحات كبيرة، وباتت قوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني على مرمى حجر من دخول صنعاء وتحريرها.
كما أنه أصبح واضحا للكافة أن سائر أزمات المنطقة، وبينها سورية والعراق ولبنان وليبيا، لن يكون حلها سهلا أو قريب المنال، إلا بمشاركة سعودية فاعلة فيها… وهذا ما تقر به كل الدوائر الإقليمية والدولية في الوقت الحالي. هذا بالطبع فضلا عن أن زمام حركة النفط العالمي بيد المملكة، باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم، وقد رفضت مرارا خفض إنتاج الدول الأعضاء في منظمة أوبك، للإبقاء على أسعار هذه المادة الخام مرتفعة، إدراكا منها لما يعانيه العالم حاليا من أزمات مالية واقتصادية، ورغبتها في تحقيق توازن عادل وعقلاني بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، وتقديرها أن الأمر لم يصل بعد إلى المدى الذي يحتم تدخل «أوبك» لتصحيح الأسعار، وكل ذلك بالتأكيد موضع تقدير من قبل الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم.
من هنا كان من الطبيعي أن تلقى زيارة خادم الحرمين الشريفين لواشنطن هذا الترحيب الكبير، وأن تحقق بالفعل نتائج مثمرة، كشف عن بعضها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حين أوضح أن اللقاء بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأميركي باراك أوباما كان إيجابيا ومثمرا، وأن المباحثات شملت الاتفاق النووي مع إيران، وأن أوباما أكد لخادم الحرمين أن الاتفاق يمنع إيران من تطوير سلاح نووي.
وكما كان متوقعا فقد ناقش الزعيمان الكبيران ملفات اليمن وسورية والعراق ولبنان، حيث جرى بحث سبل حل الأزمة اليمنية، والتأكيد على ضرورة أن يكون هناك يمن مستقر ومزدهر، وكذلك حل الأزمة في سورية وفقا لبيان جنيف 1، والإعراب عن الأمل في أن تسهم الإصلاحات في العراق في تعزيز الوحدة الوطنية، فضلا عن أهمية انتخاب رئيس في لبنان.
كل ملفات المنطقة كانت على طاولة البحث إذن بين الزعيمين الكبيرين، وهو ما يعطي آمالا كبيرة بأن تتحرك هذه الملفات المعقدة في اتجاه الحل في المستقبل القريب.