على مر تاريخنا العريض كانت الكويت محصّنة بأهلنا من كل سموم تهب من خارجها، ومتعاونة مع الداخل، رغم تباين أمزجتهم وتنوع مشاربهم.
هذا هو حديث التاريخ لنا، إن اختلفتم فاختلفوا بقدر الخلاف فحسب، وإن تباينتم فينبغي ألا يكون الفراق حلا، فالدنيا تدور وتدور لترجع إلى سابق عهدها، فلقد قال أمير الحكماء الإمام علي (عليه السلام): الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، فإن كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فاصبر، فكلاهما عنك سينحسر.
جاءت عواصف مدلهمة على الكويت فوقف أهلها ذودا شامخا لها، وجاء الغزو بكل خيلائه وجنده، فتصدى لهم اهلنا وقاتلوهم بأيديهم وأظفارهم.
فاستشهد احمد قبازرد وهو في احضان امه الكويت، واستشهدت سناء الفودري عروسة الكويت، واستشهد مبارك النوت، وهو يصدح بشهامة اهل الكويت.
وجاء الشهود من كل مكان، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي الأسبق بأن الكويت عليها أن تفتخر بان ليس فيها من يخون أهله ومسقط رأسه.
شهادة نفتخر بها نحن وأهلنا أهل الكويت كلهم، وصورة رائعة لبلد أعز ما عند أهله كرامتهم وعزتهم ورفعة رأسهم أمام الأمم.
لذا، علينا أن نكون أكثر حذرا من تشويه هذا النسيج الجميل باجتهادات بعض السذج هنا وهناك، أو استجابة لبعض الهمّازين ممن لا يرغبون في مؤمن إلا ولا ذمة.
الكويت جمالها بجمال اهلها، وعزتها بعزتهم، ونخوتها بنخوتهم.
تسمو إن سموا، وتطير إن طاروا، وتعتز ان اعتزوا.
علينا أهل الكويت ألا يشمت احد في احد، فانما أكلت يوم أُكل الثور الأبيض (كما في التراث المعروف)، والا يتخلى احدنا عن اخيه، فقوم تعاونوا ما ذلوا (والتي يرددها اهلنا دائما).
إن أخطأ أحدنا او قصّر، فأهل الارض خطاؤون، وان تمادى بعضنا لسبب او لآخر، فأهله كفيلون به.
ولعل نظرة واحدة الى نشرات الاخبار تجعلنا نحمد الله تعالى الف مرة بأننا نعيش في الكويت.
فالعالم من حولنا مقسوم، والشعوب تتناحر، والحكومات تتمادى، والفرقاء لا رحمة بينهم.
علينا ألا نستمع الى وشاية واشٍ هنا او هناك، او نبأ آخر لا يهمه نسيج اهل الكويت الواحد، فالكويت ما زالت جميلة (كما كان يرددها عن حبٍّ أخونا المرحوم أحمد الربعي، الذي افتقدنا ابتسامته، والكويت عزيزة والتي استشهد من اجلها شهداء القرين وقائدهم سيد مهدي العلوي، ووصيتهم لاهل الكويت الا يتفرقوا.
هذه هي الكويت، التي لن يخرج من رحمها، بإذن الله تعالى، من يفرّط في ترابها وفي اهلها، فلا تطغوا يا اهلنا بالميزان، ولا تفرطوا بتراثنا الجميل الذي نسجه الاهل بدماء زاكية، وعرق ما زال يتصبب على جدار التاريخ.
فالكويت ستبقى متماسكة رغم العواصف ورغم ما يحاك لها لتقسيم اهلها الى شيع وفرق.
فالكويت كانت، وستستمر، عصية على الغازي بتماسك اهلها، وان ليس من بين اهلها من يخرج عن الصف.