إذا كنا متفقين على أن التحديات الكبيرة والخطيرة التي تواجهها منطقتنا حاليا، تهدد في الصميم أمننا واستقرارنا، فإن ذلك ينبغي أن يفرض علينا تحقيق أكبر قدر من التوافق الوطني تجاه هذه التحديات، وتوحيد رؤيتنا لمعالجة المشكلات والأزمات التي تنشأ عنها، وضرورة تذويب الخلافات التي يريد البعض تحويلها إلى انقسامات وفتن تزعزع تماسكنا ووحدتنا الوطنية.
في هذا الإطار يمكن النظر إلى التباينات التي شهدتها الساحة المحلية خلال الفترة القليلة الماضية، بشأن «الاتفاقية الأمنية الخليجية»، خصوصا بعد دعوة البعض إلى إقرار هذه الاتفاقية عبر «مرسوم ضرورة»، وهي دعوة واجهت معارضة كبيرة ورفضا واسعا، ليس للاتفاقية الأمنية ذاتها، ولكن لمحاولة القفز على الأوضاع الطبيعية، وحرص الدولة على أن تمر تلك الاتفاقية بقنواتها الدستورية الطبيعية، من خلال مناقشتها في مجلس الأمة مناقشة هادئة وموضوعية، من أجل استيضاح جوانبها الإيجابية والسلبية، ومعرفة مدى توافقها مع الدستور الكويتي أو تعارضها معه، وكذلك مدى انسجامها مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعتها الكويت، وما تؤمن به دول مجلس التعاون وتطبقه أيضا من احترام لمبادئ حقوق الإنسان التي باتت الآن نهجا عالميا لا يقبل المساومة عليه.
كل ذلك لا ينفي بالطبع أننا من أحرص الناس على أن نبلغ، بالتعاون بيننا، أقصى درجة ممكنة، وأن نصل بمنظومته الوحدوية (مجلس التعاون) إلى ما يماثل «الاتحاد الأوروبي»، ولكن من دون التفريط في مكتسباتنا الديموقراطية والقانونية والحقوقية، التي أصبحت تميز الكويت وتجعل منها نموذجا يحلم به كثير من شعوب المنطقة.
ولا بد هنا من التنويه بالإيضاحات التي قدمها رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في هذا الشأن، حيث كان حاسما في تأكيده أن الاتفاقية الأمنية الخليجية لن تخرج بمرسوم ضرورة، وقوله: «وفي جميع لقاءاتي مع القيادة السياسية أو مع رئيس الوزراء أو مع الوزراء المعنيين لم يطلب احد استعجال هذا الموضوع أو هذه الاتفاقية. ووفقا لقرار المجلس، الاتفاقية موجودة لدى اللجنة التشريعية، وهي التي ستقوم بدراستها من الناحية الدستورية، ولن يقبل المجلس اقرار أي اتفاقية وأي قانون غير دستوري، وهو ما يعني باختصار شديد انه لا يوجد اي جديد بشأن الاتفاقية، ولن يكون هناك مرسوم ضرورة».
يتصل بذلك بالطبع ما أشرنا إليه في البداية، من أن الحديث حول الاتفاقية الأمنية أو غيرها ينبغي ألا يكون مدعاة للخلاف أو الانقسام والفتنة، وهو ما كان الرئيس الغانم أيضا حريصا على أن يتوقف عنده، حين شدد على أهمية التمسك بالوحدة الوطنية وتبني خطاب مسؤول في مواجهات التطورات الأمنية الحالية، وعدم الانسياق وراء دعاة ومثيري الفتنة ونافخي الكير، وكل من يبحث عن اي حدث حتى يدق اسفين الفتنة بين اطياف المجتمع الكويتي، وأننا «نعيش ظروفا اقليمية دقيقة، ويجب ان تأتي تصريحاتنا بالتنسيق مع القيادة السياسية العليا والسلطة التنفيذية، حيث إننا ندعم كل قراراتها في هذا الاتجاه».
ومن ثم فإننا نجدد التأكيد على أنه لا ضرر مطلقا من مناقشة مختلف القضايا والتحديات التي تواجهنا، لكن من دون أن تؤدي بنا هذه المناقشة إلى أي انقسام، أو تجرنا إلى فتنة لا نرضاها، نعم نحن مجتمع ديموقراطي حر مفتوح، لكن ينبغي ألا ينسينا ذلك أننا أيضا مجتمع مسؤول، وأن هذه المسؤولية تشملنا جميعا دون استثناء، وأنه من دون التحلي بتلك المسؤولية والالتزام الشديد بها، فلن تبقى لنا ديموقراطية أو حرية أو حقوق، لأن الأصل هو حماية أمن واستقرار الوطن، لنضمن بعدها استمرار وتواصل كل المكتسبات الأخرى، وهذا هو الدرس الأهم والأكبر الذي أكدته ورسخته تجارب دول كثيرة من حولنا خلال السنوات الماضية.