ترجل منذ ايام أحد رجالات الكويت العظماء وواحد من رعيلها الأول، وأحد بناة ومؤسسي الحركة الاقتصادية والتجارية في البلاد، إنه العم عبدالعزيز أحمد البحر (بوعدنان) الذي توفي عن عمر ناهز 86 عاما بعد صراع مع المرض، البحر يحمل في سيرته العطرة تاريخا طويلا من الإنجازات حيث شارك في تأسيس وإدارة عدة كيانات تجارية واقتصادية، كان أبرزها البنك التجاري الكويتي، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، وجمعية الخريجين، وشركة الصناعات الوطنية وشركة الكويت للتأمين، ومن أوائل من أدخلوا الحاسوب في الصناعات المصرفية كافة، كما حاز البحر ثقة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، فرافقه إلى اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد في واشنطن عام 1962.
عبر عدد من الخبراء والاقتصاديين في مجتمع المال والأعمال عن بالغ حزنهم لفقدان احد القامات المعروفة وفي كلمات يشوبها الأسى قال نائب رئيس اتحاد شركات الاستثمار صالح السلمي: ان الكويت فقدت رائدا من الرواد المؤسسين للاقتصاد، وهو من الجيل الذي قامت على أكتافهم النهضة الاقتصادية الحقيقية للكويت.
وأشار إلى انه كان يمتاز بفكر ورؤية واسعين جعلاه يقيم الكثير من المؤسسات الاقتصادية التي مازالت تؤثر في الاقتصاد الكويتي ويعيش الجيل الذي خلفه على أفكار وعطاء هذا الجيل المؤسس.
وقال: ان بفقده تلقى المجتمع الاقتصاد الكويتي خبرا حزينا، لكن عزاءنا يبقى فيما قدمه للكويت من إنجازات في مجالات كثيرة ستبقيه حيا بيننا.
مسيرة عطرة
وقال رئيس اتحاد العقاريين في الكويت توفيق الجراح: ان الفقيد خلف مسيرة عطرة مليئة بالعطاء الوطني بداية من تأسيس وترؤس جمعية الخريجين، مرورا بالمساهمة في تأسيس الصندوق الكويتي للتنمية، فالعم «بو عدنان»، رحمه الله، اشتهر بأخلاقه الرفيعة ومناقبه العالية ومعشره الجميل.
ويضيف ان الكويت فقدت أحد رجالات رعيلها الأول، وأحد بناة ومؤسسي الحركة الاقتصادية والتجارية في الكويت، فدوره وأعماله الاقتصادية لا تنسى والتي كان لها دور محوري في الحقبة الأولى للاقتصاد الكويتي.
ويزيد ان الفقيد قام بخطوات راسخة على الساحة المحلية والإقليمية، من خلال المواقع التي شغلها مثل البنك التجاري، حيث اتخذ قرارا مع مؤسسي البنك في عام 1973 بإدخال الكمبيوتر في كل أنشطة البنك بهدف تطوير وتحديث الأعمال المصرفية بالبنك، وإنشاء مركز للتدريب بهدف تأهيل الموظفين من كل أقسام البنك وتزويدهم بأحدث الأنظمة والتقنيات الجديدة المطبقة عالميا.
بصمات واضحة
وقال الخبير الاقتصادي رئيس شركة الشال للاستشارات الاقتصادية، جاسم السعدون: ان الكويت فقدت بموت الاقتصادي الراحل عبدالعزيز البحر الكثير، فلقد كانت بصماته واضحة في عدة مجالات، وكان، رحمة الله عليه، يمتاز بعدة صفات منها الهدوء، حبه للعطاء والإنجاز، والبعد عن الأضواء الإعلامية في جميع أعماله. وأضاف انه يعتبر من النماذج الفاضلة في المجتمع الكويتي، وقد قدم الكثير حتى وصل إلى قمة العطاء الإنساني والأخلاقي التي أثرى بها المجتمع، وبفقده سنفتقد الكثير من العطاء الإنساني.
وأشار إلى ان للراحل مشاركات عدة في بناء نهضة الكويت الاقتصادية، وبفقده سيفتقد الاقتصاد لمؤسس حقيقي شارك في بناء الكويت الحديثة. وقال الخبير الاقتصادي محمد النقي ان الفقيد العم عبدالعزيز البحر ساهم في تأسيس وإدارة عدة كيانات تجارية واقتصادية، وان اعمال الفقيد لن تنسى وستظل راسخة في أذهان كبار الاقتصاديين نظرا لما ساهم فيه من دعم لاستكمال المسيرة الاقتصادية الناجحة للعديد من المؤسسات التي شارك في تأسيسها، ومازال العاملون في تلك المؤسسات يستكملون مسيرته التي وضعها وكان لها الأثر البالغ في استمرارية نجاحها.
لقاء صحافي للفقيد
ويروي العم عبدالعزيز البحر، في لقاء صحافي سابق: بعد عودتي إلى الكويت قدمت طلبا للشيخ فهد السالم الصباح، وكان رئيسا لدائرة الأشغال العامة وعملت مع المرحوم عبدالمحسن المتروك وكان رئيس الكتاب، ونقلت إلى قسم المستودعات (نائب رئيس) بعد ذلك عينني الشيخ فهد السالم مديرا للإسكان، ومن ثم في مجلس الإنشاء الذي كان مسؤولا عن التخطيط في الكويت، وكان المجلس مشكلا من كل مديري الإدارات ومنهم: عبدالعزيز حسين عبدالرحمن العتيقي وعبدالله العسعوسي وعلي الداود مدير الصحة وعبدالله الفلاح مدير البلدية وخالد الغنيم مدير الأشغال، بقي هذا المجلس يعمل حتى استقال الشيخ فهد السالم الصباح، وبدأ الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير الكويت في تلك الفترة بحركة اصلاحية في البلد الذي كان نواة للحياة الديموقراطية، فجاء بسمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله، من حاكم الأحمدي إلى رئيس لدائرة المالية فبدأت عملية التطوير من تلك الفترة.
وأضاف في حديثه الصحافي السابق: وبعد قضاء فترة من الزمن في دائرة الإسكان انتقلت للعمل كأول مدير عام للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وقد تم انشاء هذا الصندوق للمحتاجين في البلدان العربية الشقيقة، وكان سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله، وزيرا للمالية، ثم عملت بعدها بالقطاع الخاص .
سيرة ذاتية
يقول العم عبدالعزيز في حوار سابق أنا من مواليد 1929م، تلقيت دراستي الأولى في الكتاتيب عند الملا أحمد الخميس، تعلمت القرآن الكريم وألف باء الكتابة، ثم درست في البصرة قبل الحرب العالمية الثانية عندما كان خوالي (الحمد) هناك، درست الابتدائية حتى أوائل الثانوية ورجعت بعد ان احتل الانجليز العراق حوالي عام 1940 وكان عمري حوالي 14 سنة، وأثناء وجودي في الكويت درست اللغة الانجليزية على يد الاستاذ سلطان العجيل ثم انتقلت إلى الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1944م فأكملت الدراسة الجامعية، ومن زملائي الدكتور أحمد الخطيب والمرحوم بدر عبداللطيف الثنيان الغانم وبعد التخرج رجعت الكويت. وقال عبدالعزيز البحر: بعد عودتي إلى الكويت قدمت طلبا للشيخ فهد السالم الصباح وكان رئيسا لدائرة الأشغال العامة وعملت مع المرحوم عبدالمحسن المتروك كان رئيس الكتاب، ونقلت إلى قسم المستودعات (نائب رئيس)، بعد ذلك عينني الشيخ فهد السالم مديرا للاسكان، ومن ثم في مجلس الانشاء الذي كان مسؤولا عن التخطيط في الكويت، وكان المجلس مشكلا من كل مديري الإدارات ومنهم: عبدالعزيز حسين وعبدالرحمن العتيقي وعبدالله العسعوسي وعلي الداود مدير الصحة وعبدالله الفلاح مدير البلدية وخالد الغنيم مدير الاشغال، بقي هذا المجلس يعمل حتى استقال الشيخ فهد السالم الصباح، وبدأ الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير الكويت في تلك الفترة بحركة اصلاحية في البلد الذي كان نواة للحياة الديموقراطية، فجاء بالشيخ جابر الأحمد الصباح من حاكم الأحمدي إلى رئيس لدائرة المالية، فبدأت عملية التطوير من تلك الفترة، وأذكر في عام 1957 بدأت أولى مباحثات بين القطرين الشقيقين الخاصة بالمنطقة المحايدة في أثناء زيارة الملك سعود بن عبدالعزيز للكويت، وكان الوفد الكويتي برئاسة الشيخ جابر الأحمد الصباح وعضوية أشرف لطفي الذي كان مسؤولا في الديوان الأميري، وأنا عبدالعزيز البحر، وجمال هاشم رئيس قسم المساحة في دائرة الأشغال، وكان الوفد السعودي برئاسة الأمير طلال بن عبدالعزيز وزير المالية، وعضوية عبدالله الطريقي وزير البترول والثروة المعدنية. وأضاف أبو عدنان: وبعد قضاء فترة من الزمن في دائرة الاسكان انتقلت للعمل كأول مدير عام للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وقد تم انشاء هذا الصندوق للمحتاجين في البلدان العربية الشقيقة، وكان الشيخ جابر الأحمد الصباح وزيرا للمالية، ثم عملت بعدها بالقطاع الخاص.
البنك التجاري
وأضاف البحر: قمت مع زملائي بتأسيس البنك التجاري الكويتي مع بداية تبديل العملة الكويتية من الروبية إلى الدينار، كانت مناسبة طيبة لا ننساها، وكان معي في التأسيس السادة: حمد الحميضي، وخالد الغنيم، وفهد وخالد الصبيح، وسيد حميد بهبهاني، وخليفة الغانم ومرزوق المرزوق، وكان رأسمال البنك 20 مليون روبية يعادل مليونين ونصف المليون دينار كويتي. وقال: أعضاء البنك التجاري هم الذين أسسوا شركة التأمين (بدت البسمة والفرح على ملامح وجه العم أبو عدنان في أثناء هذا الحديث)، وأكمل: هذا رأس المال الذي تأسس به البنك، الآن لا نستطيع شراء منزل. أضاف: استدعاني الشيخ جابر الأحمد الصباح لتأسيس الشركة الكويتية للتجارة والمقاولات والاستثمارات الخارجية برأسمال 20 مليون دينار، وهذا يدل على تطور الاقتصاد الكويتي من مليون ونصف المليون تأسيس بنك إلى 20 مليونا للشركة، وأنا أول رئيس لها حتى عام 1976، ثم رجعت إلى القطاع الخاص، وأنا الآن متقاعد، أديت واجبي الذي كان عليّ في خدمة بلدي.
الحي القبلي
وتابع: ولدت وتربيت في بيت البحر في براحة «ابن بحر»، كان منزلنا مقابل المسجد الذي أسسه جدي، وترعرعت في بيت خوالي (الحمد) في الحي القبلي، وكما قلت تتلمذت على يد الملا أحمد الخميس، كانت مدرسته ايضا في ذاك الحي، كانت القبلة كبقية الأحياء فيها الهدوء والاستقرار والتكافل والتعاون، وإذا أصيب فيها الجار بأي مصيبة الكل فزع ووقف معه، وتعتبر مصيبته عامة على الجميع، وإذا مرض فزع الجميع، وحتى إذا تعرض لأزمة مالية الكل كان يقف معه، وكان الغني يقدم للفقراء المساعدات اليومية في الدواوين، وخاصة أيام يطبخ ويمد الموائد فيها، وكذلك في شهر رمضان المبارك ناد.. وجمعية.
وقال أبو عدنان: أنا من مؤسسي نادي الخريجين عام 1954 الذي لم يستمر طويلا، وبسبب الوضع السياسي في الكويت قامت الحكومة بإغلاق الجمعيات حتى لا تكون مصدرا للقلاقل، وبعد سنوات التقيت مع أحمد علي الدعيج الأمين العام للتخطيط في حفل، فطرح علي إنشاء جمعية للخريجين، وقمنا بتأسيسها، وقبل 6 شهور احتفلت الجمعية بمرور 50 سنة على تأسيسها، وأنا من الذين كرّمتهم الجمعية.
وقال: كان والدي، رحمه الله، عضوا في المجلس البلدي والأوقاف والمعارف، ولديّ كتب تشهد بذلك، وقدمت طلبا لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح، حفظه الله ورعاه وأطال في عمره، أن يطلق على أحد شوارع الكويت اسم والدي، فقام سموه حفظه الله وطلب من المسؤولين المعنيين بذلك، فسمي شارع في الشويخ باسمه (شارع أحمد البحر)، وكان والدي في المجالس السابقة يعمل من دون مقابل مع غيره من أخيار أهل الكويت، والآن المكافآت بعشرات الألوف.
وقال: عندما جاء جدنا المرحوم محمد البحر إلى الكويت، سكن في البراحة التي سميت باسمه «براحة ابن بحر»، وكانت البضائع تصل إلى الكويت تعرض في البراحة أمام منزله في ساحة متسعة، وعندما شعر بأن الناس في حاجة إلى مسجد اقامه، فسميت البراحة والمسجد باسمه، وموقعه في وسط شارع عبدالله السالم (شارع الجديد سابقا) في مدخل سوق الخضار.
وقال البحر: عشت عصر التقلبات السياسية في وطننا العربي، خاصة في لبنان أيام تقسيم فلسطين، شاركنا في التظاهرات، فكانت قضية فلسطين هي الأولى.
واضاف: رشحت لأول مجلس تأسيسي، ولم يحالفني الحظ، فتركت السياسة، ولكن أخي حمد البحر رشح مع قائمة عبدالعزيز الصقر ومحمد الرشيد ومحمد الخرافي ويوسف ابراهيم الغانم، ولم يحالف الحظ إلا عبدالعزيز الصقر، ومحمد الخرافي، عام 1975.
واضاف: علاقتي مع المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح لا أنساها مادمت حيا، وأيام حياتي معه كانت أياما ذهبية، رأيت فيها كل تقدير، وأوكل لي منصبا، وكلما أراد عملا أو منصبا استدعاني.
مركز اتخاذ القرار
وقال: وقد كان خلال هذه الفترة يوجد هناك متجر من متاجر أهل الكويت، يملكه السيد اسماعيل السيد عبدالرسول بهبهاني، يشار إليه ليس بمكان فيه بضائع، بل ملتقى يرتاده أغلب مديري الدوائر في الدولة، ويرتاده أيضا كل من الشيخ فهد السالم الصباح، والشيخ سعد العبدالله الصباح، أما الرواد الدائمون فمنهم: يوسف العبداللطيف الحمد أحد كبار وجهاء الكويت وتجارها، وأحمد عبداللطيف الحمدي مدير مالية دولة الكويت، وعبدالعزيز البحر، حتى أصبح يطلق على هذا المتجر من باب الدعابة «مركز لاتخاذ القرار»، وكان التواجد من الساعة الثالثة ظهرا حتى الثامنة مساء.
واضاف: مازال اولاد المرحوم سيد اسماعيل على اتصال بنا، ويعتبرونني والدهم، ويتواصلون معنا في المناسبات والأعياد، وقد انتهى «مركز القرار» بوفاة اغلب رواده، خاصة صاحب المتجر سيد اسماعيل.
وقال: الاحاديث أغلبها كانت عن العلاقة بين دوائر الدولة المختلفة، والاوضاع في المنطقة، وكانت الجلسات لتبادل الآراء والأفكار، وتنقل إلى المسؤولين كل في دائرته، بمعنى تبادل الخبرات والمعلومات المختلفة التي تهم كل دائرة.