زرت أغلب المواقع المقدسة للديانات الرئيسية الموجودة على الارض، ومثلها الاماكن المقدسة للمذاهب الاسلامية المختلفة، وأقول لا توجد دولة في العالم تعتني وتصرف على الاماكن المقدسة الموجودة على اراضيها كما تفعل المملكة العربية السعودية، حتى انها لم تكتف بالصرف من مداخيل النفط بل خلقت وقف الملك عبدالعزيز كي يواصل العناية بالمقدسات عندما تتوقف مداخيل البترول، وبذا خدم ملوك المملكة العربية السعودية وخدام حرميها الشريفين تلك المراكز احياء وامواتا، فجزاهم الله عن المسلمين قاطبة خير الجزاء وصدق الاولون عندما قالوا: يعرف الرحمن اين يضع بيته.
ولو قارنا عدد الحجاج والمعتمرين طوال العقود الماضية وهم بمئات الملايين بعدد ضحايا التدافع والحريق وغيرهما من اخطاء بشرية لا يمكن لأحد التحكم بها نظرا لاستحالة ايجاد رجال امن وتنظيم يقاربون عدد الحجاج، لعرفنا عدم عدالة من حاول إلقاء اللوم على من لا يستحق اللوم، بل الشكر من عباد الله المخلصين، ان التجمعات في الاماكن المقدسة وحتى غير المقدسة الاخرى في العالم يخفف من احتمالات الحوادث فيها ان جموعها تتوقف عند الوصول الى مقاصدها، بينما تقتضي مناسك الحج التحرك الدائم للملايين من البشر، ويكفي المملكة حدها من عدد الزائرين عبر نظام «الكوتا» القائم على مبدأ «الاستطاعة» وتوسعتها للحرمين وتسهيل العبادات وأداء المناسك بشكل لم يشهد له التاريخ مثيلا، كما وزعت وتوزع كل عام وزارة الحج على الحملات المختلفة جداول بالأوقات والأعداد المسموح بها لأداء كل شعيرة والإشكال هو بعدم التقيد بتلك التعليمات والتسابق على محاولة الانتهاء بأسرع فرصة وما ينتج عنه من تدافع يتسبب في الموت، وهي ظاهرة تشهد مثلها الملاعب الرياضية رغم الفارق الكبير في الاعداد.
وعلى كل دولة القيام بواجبها تجاه حجاجها من تدريب وتحذير من المخاطر المختلفة، فتلك الامور لا يمكن التوعية والتدرب عليها بعد الوصول وأداء المناسك، بل يجب ان تعمل في وقت مبكر، كما يجب توعية وتحذير اصحاب الفتاوى المتشددة فيما يخص مناسك الحج والبعيدة عن فقه الواقع وحقيقة الفارق بين حج آلاف قليلة عند بداية الدعوة وحج الملايين هذه الاعوام وتبعات تلك الفتاوى التي لم يقل بمثلها كبار العلماء!