في الأيام العشرة الأولى من شهر المحرم، قدمت الكويت صورة حية ومشهودة لمدى تمسكها بوحدتها الوطنية، وأثبتت أن إيمانها بهذه الوحدة، لا يتزعزع أبدا، يقينا منها بأنها «سفينة النجاة» من كل الأخطار والتحديات.
ولعل أروع تجليات هذه الوحدة قد تمثلت في التوجيهات السامية لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد إلى نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد، للقيام بجولة ميدانية زار خلالها عددا من الحسينيات، في أواخر الأيام العشرة، والتقى خلالها القادة الميدانيين، واطمأن منهم على سير الأوضاع بصورة طبيعية، وأكد لهم أنه لن يقبل بأي تهاون أو أخطاء في حماية أمن المساجد والحسينيات، كما التقى العديد ممن جاءوا لإحياء ذكرى عاشوراء، وتبادل معهم نقاشا وديا، في مناخ طيب ومملوء بمشاعر الألفة والمودة الخالصتين.
وعلى الرغم من أن الوزير الخالد كان قد قام بجولة مماثلة سابقة على تلك الأخيرة بيومين فقط، فإن صاحب السمو أراد أن يطمئن مجددا على أبنائه من رواد الحسينيات، ما أعاد إلى الأذهان تلك الكلمة الجميلة التي قالها سموه، لدى زيارته مسجد الإمام الصادق، إثر حادث التفجير الأليم الذي وقع فيه في شهر رمضان الماضي، وناشده بعض مرافقيه ألا يدخل المسجد في تلك اللحظات الخطرة، فقال لهم قولته التي بات الجميع يحفظها له الآن، قال: «هذولا عيالي».
وكان من حق رجال «الداخلية» أن يشيد بهم الشيخ محمد الخالد، وأن يعرب لهم عن «شكره وتقديره للجهود الأمنية وعطائهم المتميز في تأمين المساجد والحسينيات والمصلين لأداء الشعائر بأمن وسلامة»، وأن يؤكد أيضا أن رجال الأمن دائما وأبدا «محل ثقة واعتزاز صاحب السمو الأمير، وهم العين الساهرة التي تحمي وتصون أمن البلد الغالي ومواطنيه الكرام»، فهؤلاء الرجال جديرون حقا بكل تقدير وإعزاز، ولا يمكن لأحد أن ينكر جهودهم الكبيرة لإخراج المناسبة في أفضل صورة، ساعد في ذلك بالطبع الالتزام الذي أبداه الجميع بتعليمات وزارة الداخلية، وهو ما كان محل تقدير وإشادة من الوزير الخالد أيضا.
هكذا إذن لم تكن الأيام العشرة الأولى من المحرم مناسبة دينية فقط، بل كانت أيضا مناسبة وطنية أكد من خلالها الكويتيون المعاني والقيم التي يؤمنون بها ويحرصون عليها، وبالأخص منها تمسكهم الراسخ بأن الكويت نسيج واحد، لا يستطيع أحد أن يعبث به، أو يمزق خيوطه، لأن هذا النسيج بات من الأصالة والمتانة بحيث لا يمكن أبدا أن تنفك عراه، أو تنحل خيوطه، فأبناء هذا الوطن قد عركتهم التجارب، ومحضتهم المحن، وصهرتهم التحديات، وأخرجت منهم في النهاية ذلك النسيج القوي الذي يستعصي على كل محاولات المس به أو النيل منه.
وقد كان رائعا أيضا أن يتناول معظم خطباء الجمعة في الكويت – سنة وشيعة – معاني البطولة والفداء، في حياة الإمام الحسين، وأن استشهاده كان دفاعا عن قيم الإسلام العظيمة، قيم الحق والعدل والاستقامة والمساواة، التي جاء بها جده محمد صلى الله عليه وسلم.
كانت الذكرى العطرة، كما أشرنا، مناسبة ليبرهن من خلالها الكويتيون مجددا على أن وحدتهم الوطنية ليست مجرد شعار يرفع، أو كلمات تتردد ويذهب صداها فور النطق بها، وإنما هي اقتناعات راسخة وباقية، يؤمن ويتمسك بها الكويتيون – حكاما ومحكومين – في كل وقت وآن.