قال خبراء ان الاوضاع الاقتصادية تتطلب الاسراع في وضع استراتيجيات لخلق منظومة اقتصادية سليمة تتلاءم مع المتغيرات الاقتصادية العالمية الحادثة في الاسواق التي ابرزها التضخم وتذبذب اسواق المال وانكماش بعض الصناعات وتراجع اسعار النفط.
ودعا فريقٌ الدولةَ إلى الاعتماد على مصادر دخل متعددة وعدم الاكتفاء بمصدر واحد، مشيرا إلى ان دولة الكويت تمتلك كل الامكانات لإحداث طفرة اقتصادية نوعية يقود دفتها القطاعين الحكومي والخاص، وذلك بدعم السيولة المتراكمة لدى الدولة وسط كوادر بشرية مهنية اثبتت نجاحا ملحوظا في شركات حكومية وخاصة على السواء خلال السنوات الماضية.
ودعا الاقتصاديون إلى ضرورة مواكبة اي خطة اقتصادية مستقبلية بتطوير القوانين القديمة واستحداث اخرى جديدة لتسهيل عملية جذب الاستثمارات ودعم القطاع الخاص والمزيد من التفاصيل في التحقيق التالي:
بداية دعا عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت عبدالله الملا الى الاحتذاء بتجارب الدول المجاورة، لاسيما السعودية والإمارات، مشيرا إلى ضرورة استخلاص التجربة وتطويعها للتطوير والتنفيذ على مستوى دولة الكويت وتفصيل خطة تنموية قادرة على خلق فرص حقيقية للدخل ومستدامة.
وأشار الملا إلى النجاحات التي حققتها دولة مثل عمان على مدى سنوات طوال، حيث لم تعتمد على الإنفاق الحكومي والتوظيف، واستطاعت أن توجه الشباب إلى العمل الحر وخلق الفرص الإبداعية والمشاريع الخاصة، وفعلا نجح الشاب العماني في التجارة، والدولة نجحت في تخفيف الضغط عن الميزانية العامة للدولة، وهذا مثال آخر على توجيه الدولة في تنويع مصادر الدخل.
على مسار مواز قال المدير العام لشركة مينا للاستشارات المالية والاقتصادية عدنان الدليمي: ان الحكومة غير قادرة على النجاح في تنويع مصادر الدخل وليست لديها القدرة على إيجاد فرص استثمارية وتنموية حقيقية، وذلك وفقا للمعطيات الحالية التي تنم عن تخبطات وفكر عقيم لا يمت للواقع بصلة، لاسيما أن الحكومة تعتمد على النفط كمصدر دخل إن لم يكن وحيدا فنسبته تصل إلى 94 في المائة، وهي نسبة كبيرة جدا لا تخدم البلاد والعباد، وبصراحة أكثر مستحيل ان تنجح الحكومة في إيجاد دخل آخر غير النفط والفشل حليفها وفقا للواقع.
وبين الدليمي قائلا ان التفكير الكويتي لم يتغير حتى الآن وعليه، فليس بمقدورنا أن ننجز خططا تنموية للإنسان تنقله من واقع الاعتماد على الراتب الحكومي إلى العمل الحر والاستثمار فيه، فهذا القرار يحتاج إلى إرادة ورغبة وتنفيذ واستمرارية فيه، وبعدها بسنوات يتم حصد ثمرة هذا القرار، لكن المشكلة أن الحكومة ضعيفة ولا تستطيع تنفيذ مثل هذه القرارات، والدليل على ذلك نجد أن وزير المالية خرج بتصريح قبل أيام مفاده أن خطة التنمية متعثرة وسوف تعاني من التأخر في تنفيذها.
استخدام الاحتياطات
في السياق ذاته قال عضو اتحاد الصناعات الكويتية رئيس مجلس الادارة لشركة المهلب للتجارة والمقاولات خالد العبدالغني: من الصعب جدا العمل على تنويع المصادر، وانه لطالما نادينا وناشدنا الجهات الاشرافية والمسؤولة للعمل على تنويع مصادر الدخل ودعم الخصخصة، لكن لم يؤخذ شيء على محمل الجد، مضيفا على الرغم من ان محافظ البنك المركزي طمأن الشعب بامكان استخدام الاحتياطيات، الا ان المؤشرات غير مبشرة، وبالامكان القول الآن ان هذا يعد انذارا ممتازا ليؤخذ بعين الاعتبار للمرحلة المقبلة، وسيظل ناقوس الخطر قائما في حال ظلت اسعار البترول متذبذبة.
وأضاف: «يجب التزام الجدية لوضع خطة جديدة واستراتيجية واضحة لاتباعها للمرحلة المقبلة، وذلك عن طريق تعزيز ودعم القطاع الصناعي بشكل جدي وفعلي حتى نتمكن من تعزيز الصناعة المحلية، بالاضافة إلى دعم مشاريع «بي او تي»، اضافة إلى الاستثمار الداخلي بالتحديد وليس الخارجي، وذلك بتعديل القوانين بغرض جذب الاستثمارات الخارجية وفتح السوق المحلي بشكل اكبر. ولا ننسى تعزيز مكانة ودور القطاع الخاص والخصخصة، وبالتالي بدلا من اعتماد الدولة بنسبة كبيرة في دخلها على البترول سنتمكن بذلك من تخفيف العبء عنها بشكل كبير. اما الان فسيظل الامر مرهونا بمستقبل اسعار النفط».
مصدر أحادي
وقال نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة عربي القابضة حامد البسام ان الكويت يمكنها تنويع مصادر دخلها والتقليل من اعتمادها على النفط كمصدر واحد للدخل، حيث يمكنها عن طريق صياغة خطة مدروسة ومحكمة يتم تنفيذها من قبل خبراء وكوادر مدربة ان تخرج من عنق الزجاجة وتنوع الياتها، مشيرا إلى ان الحكومة عليها اختيار المسؤولين بشكل جيد وليس عشوائيا، كما يجب تغليب الصالح العام على الخاص والنأي عن الشخصانية والمحسوبية التي افسدت غالبية المشاريع وباتت مرضا مستشريا في غالبية الهيئات والمؤسسات، ودعا إلى ضرورة توجيه الاستثمارات بصورة صحيحة، لاسيما ان التخبط في تنفيذ خطة الاستثمارات قد تؤدي إلى حدوث فجوة وتراجع في العوائد المتوقعة، مشددا على ضرورة الاستعانة بمؤسسات استشارية اجنبية للقيام بإعداد دراسات وبحوث حول سبل تنويع اقتصاديات الدولة وطرق ازالة العقبات والمشكلات التي تحول دون القيام بذلك، وأضاف البسام «ان النجاح في تنويع مصادر الاقتصاد مرتبط بشكل واسع بالبعد عن المعترك السياسي، لافتا إلى ان دخول خط السياسة على خط الاقتصاد امر غير مرغوب فيه، لاسيما ان غالبية اعضاء مجلس الامة ليسوا على دراية بالامور الاقتصادية، مشيرا إلى ضرورة الاستعانة بأهل الاختصاص والخبرة، لاسيما في مجال المال والاعمال والشؤون الاقتصادية التي تعتبر عماد الدولة واللبنة الاساسية لتطورها.
وقال عضو المجلس الاعلى للبترول السابق والخبير النفطي الدكتور عماد العتيقي: ان الحديث عن تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد من الناحية النظرية ممكن، خصوصا فيما تمتلكه الكويت من موارد مالية جيدة وكوادر بشرية طموحة والبنى التحتية التي تشكل القاعدة الرئيسية لبناء المشاريع واطلاق المراكز الاقتصادية المتعددة.
وأضاف العتيقي ان الكويت تمتلك ايضا القوة البشرية والاعداد الكبيرة من مخرجات التعليم التي تتحلى بالاستخدام الافضل لتكنولوجيا العصر ما يكفي، لان تكون قادرة على تحقيق المعادلة الصعبة في تلك النظرية، بالاضافة إلى ان تنويع مصادر الدخل يعتبر احد بنود الخطة الخمسية للدولة والتي تعمل على تنفيذها وتحديثها كل حين وآخر، بيد ان العتيقي اشار إلى ان تلك الخطة وتنويع المصادر لا تتعدى كونها تقارير للمسؤولين في الدولة سواء كانت الخطة الحالية او السابقة.
ولفت إلى ان الترهل الحكومي والاداء الروتيني لأجهزة الدولة ووزاراتها وهيئاتها كافة يعد ابرز المعوقات لتنفيذ تعدد مصادر الدخل في الكويت، مؤكدا انه في ضوء الاداء الحكومي الحالي لا يوجد مؤشرات تدل على تنفيذ خطة تنويع مصادر الدخل.
وأشار إلى ان النمط الحكومي هو السائد منذ فترة ليست بقصيرة وتكدس الكويتيين في الوظائف الحكومية يعد ابرز العلامات والمعوقات الادارية لتنفيذ الخطط، متسائلا: كيف نريد تنويع الدخل وغالبية الكويتيين يعتمدون على الوظيفة الحكومية اساس تنويع مصادر الدخل يقوم على المشاريع الصغيرة والعمل الحر.
وأكد ان المؤشرات الحالية والتقارير الاقتصادية لا تدلل على نجاح في تنويع مصادر الدخل لسنوات مضت فكيف نخطط لسنوات مقبلة؟ موضحا ان الاعتماد على النفط كمصدر وحيد يمكن ان يؤدى إلى تداعيات اقتصادية عديدة لا يمكن تلافيها مستقبلا.