تحتفل سلطنة عُمان غدا 18 نوفمبر بعيدها الوطني الـ 45 وهي تواصل مسيرة نهضتها الحديثة نحو غاياتها المنشودة وفي مقدمتها التنمية والازدهار بقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم.
ومع حلول العقد الحالي استهلت السلطنة مرحلة مهمة اعتبارا من شهر يناير 2011م بوصفه العام الأول في الخطة الخمسية الثامنة (2011 /2015م). على هذا الأساس تتابعت خلال العامين الماضيين مسيرة التنمية والبناء في السلطنة نحو مزيد من تطوير مؤسسات الدولة العصرية، لتفي بمتطلبات التقدم الاقتصادي والاجتماعي المتواصل، متجاوبة مع تطلعات وطموحات المواطن العُماني في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وهو ما جعل السلطنة نموذجا يشار إليه على الصعيدين الداخلي والخارجي، وقد قال السلطان قابوس في كلمة القاها خلال افتتاح الفترة الخامسة لمجلس عُمان ( 31 أكتوبر 2011م ):
إن بناء الدولة العصرية التي تعهدنا بإقامتها منذ اللحظة الأولى لفجر النهضة المباركة قد اقتضى منا بذل جهود كبيرة في مجال إنشاء البنية الأساسية التي هي عماد التنمية الشاملة وركيزتها الأولى وتوفير هذه البنية في شتى ربوع السلطنة أتاح ولله الحمد فرصة كبرى للتطور العمراني في مختلف المدن والقرى على امتداد الساحة العُمانية، ومهد لإقامة مشروعات اقتصادية وتجارية وصناعية عديدة ومنشآت تعليمية وثقافية وصحية واجتماعية متنوعة، وهذا لا يخفى على أي مراقب ومتابع لحركة الحياة في جوانبها المتعددة على أرض عُمان الطيبة ولا عجب في ذلك فالعُمانيون منذ القدم صناع حضارة ولهم موروثهم التاريخي العظيم وانفتاحهم على الحضارات الأخرى عبر البحار والمحيطات وسعيهم إلى التواصل مع الآخرين وتبادل المنافع المشتركة معهم ما يؤهلهم ليكونوا قدوة ومثلا في مجال التطور المتسارع والتقدم المتنامي والقدرة على مواكبة العصر، والأخذ بكل جديد مفيد فيه من أفكار مستنيرة وعلوم نافعة وتقنيات متجددة مع التمسك دائما بالقيم والمبادئ الرفيعة التي يؤمنون بها والتقاليد والعادات الأصيلة التي نشأوا عليها، وإذا كان التطور كما هو معلوم سنة من سنن الكون إلا أنه لابد لتحقيقه من توفير أسباب عديدة في مقدمتها الإرادة القوية والعزيمة الصادقة ومواجهة التحديات والإصرار على تذليل الصعوبات والعقبات لذلك كان على كل أمة ترغب في الحياة بكل ما تشمله هذه الكلمة من معنى أن تشمر عن ساعد الجد فتعمل بلا كلل أو ملل وفي إخلاص وتفان وحب للبذل والعطاء مستغلة طاقاتها ومهاراتها مستثمرة مواردها وإمكاناتها من أجل بناء حاضر مشرق عظيم والإعداد لمستقبل زاهر كريم وإنه لمن توفيق الله أن أمد العُمانيين بقسط وافر من هذه الأسباب فتمكنوا خلال العقود الأربعة المنصرمة من تحقيق منجزات ستظل خير شاهد لا ينكرها ذو بصر وبصيرة.
وبذلك فإن سلطان عُمان قابوس بن سعيد رسم خطة مستقبلية لتكمل السلطنة مسيرتها التنموية وفق النهج الذي اختارته عُمان لتنفيذ سياستها نحو تطبيق كامل للعملية الديموقراطية، مشيرا إلى الإنجازات التي حققتها السلطنة مع هذا النهج في تجربة الشورى العُمانية لإقامة بنيانها وإعلاء أركانها على قواعد ثابتة ودعائم راسخة تضمن لها التطور الطبيعي الذي يلبي متطلبات كل مرحلة من مراحل العمل الوطني وبما يستجيب لحاجات المجتمع ويواكب تطلعاته إلى مزيد من الإسهام والمشاركة في صنع القرارات المناسبة التي تخدم المصلحة العليا للوطن والمواطنين ضمن رؤية مستقبلية واعية وخطوات تنفيذية واعدة.
وعلى مدار سنوات النهضة العُمانية الحديثة، وفي كل خطواتها واهتماماتها، يتبوأ الانسان العُماني المكانة الأبرز في خطط التنمية وأهدافها، وهيأت له كل السبل والظروف، وتوفرت له الفرص لتأكيد ذاته وبناء قدراته العلمية والعملية ومهاراته الفنية وخبراته التقنية، بما يمكنه الارتقاء بحركة التنمية ودفعها خطوات متقدمة.
فبناء الانسان العُماني كان الركيزة الأساسية التي قامت بها ولأجلها التنمية الشاملة في السلطنة، حيث أكد السلطان قابوس منذ بداية نهضة بلاده على ان المواطن العُماني هدف التنمية وغايتها، وترجمة لهذا التوجه سعت الخطط والبرامج التنموية إلى الاهتمام بالإنسان العُماني وتنميته وتطوير قدراته وإمكاناته فالعنصر البشري كما أكد سلطان عُمان هو «صانع الحضارات وباني النهضات، لذا فإننا لا نألو جهدا في توفير كل ما من شأنه تنمية مواردنا البشرية وصقلها وتدريبها وتهيئة فرص العلم لها بما يمكنها من التوجه إلى كسب المعرفة المفيدة والخبرة المطلوبة والمهارات الفنية اللازمة التي يتطلبها سوق العمل وتحتاج إليها برامج التنمية المستدامة في ميادينها المتنوعة».
وفي اطار حرص السلطنة على ترسيخ الفهم الصحيح والمعتدل للدين الاسلامي الحنيف، بعيدا عن التزمت الذي أدى إلى انتشار صور نمطية غير صحيحة للإسلام والمسلمين، تعمل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عُمان على مواكبة العصر بفكر اسلامي متجدد ومتطور قائم على اجتهاد عصري ملتزم بمبادئ الدين، وقادر على أن يقدم الحل الصحيح والمناسب لمشكلات العصر التي باتت تفرض نفسها على المجتمعات الاسلامية، وفي الوقت الذي لا تدخر فيه السلطنة وسعا في الاسهام بجهود التقريب بين المذاهب الإسلامية، وبين الاسلام والديانات الأخرى، فإنها تحرص في الوقت ذاته على الحفاظ على الموروث الحضاري العُماني، وتعزيز قدرته على التفاعل المستمر مع العالم.
وفي حين تقوم كراسي السلطان قابوس العلمية في عدد من أشهر الجامعات الاميركية والأوروبية والآسيوية والاسترالية بدور حيوي ومفيد في دراسة الحضارة العربية والاسلامية وتعميق أسس ومجالات الحوار بين الاديان، وتوفير اطر علمية للفهم المتبادل وتحقيق التواصل مع المجتمعات الأخرى، فإن هناك العديد من المراكز والمؤسسات الثقافية التي اقامتها السلطنة أو ساندت ودعمت انشاءها في مناطق مختلفة من العالم لتحقيق مزيد من التقارب بين الشعوب والثقافات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك مركز السلطان قابوس في واشنطن الذي يقوم بدور نشط في التواصل والتفاعل مع المجتمع الاميركي، وهناك المركز الثقافي اللبناني العُماني في بيروت، الذي يجري استكماله ليكون منارة فكر وثقافة على المستويين الاقليمي والدولي، كما تم افتتاح «المركز العالمي للحوار» التابع لبطركية انطاكيا وسائر المشرق لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك في بيروت في مايو 2011م. وقد اقيم المركز بدعم من السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان.
كما إن الدبلوماسية العُمانية تحرص في الحاضر والمستقبل على صداقة العالم وزرع العلاقات الحسنة والمتكافئة مع كل دولة تخطو خطوات ايجابية على طريق التعاون معها بشكل خاص، والالتزام بالمواثيق الدولية ومبادئ الامم المتحدة في سبيل تحقيق التقدم والتطور وتثبيت دعائم الاستقرار العالمي، ومن هنا فإن تفاعل السياسة الخارجية العُمانية تجاه كل الأحداث التي مرت وتمر بالمنطقة والعالم فهو حصيفا وواعيا، إذ لم تسمح للأحداث حتى في أقصى لحظات استعارها ان تؤثر عليها، وهذه السياسة الخارجية مرتكزة على الحكمة والتعقل والهدوء والاتزان لذلك اصبحت سلطنة عُمان تحتل مكانة دولية مرموقة جعلت منها مركز استقطاب اقليمي وعالمي مهم، وتحظى السياسة الخارجية العُمانية منذ عام 1970م بتقدير العالم لما تقوم به من جهود فعالة ومساهمات على مختلف الاصعدة العالمية مثل ذلك الانفتاح على العالم والمساهمة بنشاط وبفعالية في أحداثه والمشاركة في مؤسساته ومنظماته السياسية وغير السياسية لهذا كله سارت مسيرة التنمية الاقتصادية جنبا إلى جنب مع مسيرة السياسة الخارجية النشطة.
وتولي سلطنة عُمان اهتماما خاصا بتطوير العملية التعليمية بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مختلف المجالات الفنية التي تعنى بتطوير المناهج والتقويم التربوي وتقنية المعلومات والبرامج التعليمية وغيرها من المجالات، كما تولي الموارد البشرية اهتماما كبيرا آخذة في الاعتبار الخطط التنموية الطموحة التي تسعى للارتقاء بالإنسان العُماني وإعداده لدعم مسيرة التقدم التي تشهدها السلطنة ولذلك تنوعت الخطط والبرامج لتأهيل الكوادر العُمانية في المجالات الفنية والإدارية انطلاقا من أهمية الموارد البشرية في النهوض بالعمل التربوي بشكل عام، ويبلغ عدد الطلبة في مختلف مدارس محافظات ومناطق السلطنة للعام الدراسي 2010/ 2011م التعليمية بما فيها المدارس الخاصة ومدارس التربية الخاصة بلغ (588940) طالبا وطالبة، فيما بلغ عدد المدارس الحكومية والخاصة (1430) مدرسة، وعدد المعلمين وصل إلى (50579) معلما ومعلمة.
حصلت السلطنة على المركز 89 عالميا في مؤشر التنمية البشرية لعام 2011 الذي أصدره برنامج الامم المتحدة الانمائي ونشره على موقعه الالكتروني، حيث حصلت السلطنة على 705 بالمائة نقطة، وصنفت السلطنة ضمن فئة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة وجاءت عربيا في المركز الثامن، وصدر تقرير هذا العام 2011تحت عنوان «الاستدامة والانصاف.. مستقبل أفضل للجميع» حصلت السلطنة على المركز الـ (28) دوليا في تقرير الحرية الاقتصادية للعام 2011م لتصنف بذلك ضمن أفضل ثلاثين دولة تتمتع بالحرية الاقتصادية على مستوى العالم جاء ذلك خلال تدشين معهد «فريزر للبحوث» لتقرير الحرية الاقتصادية الذي يصدر سنويا بالتعاون مع العديد من مؤسسات البحوث الدولية المستقلة حول العالم.
وحققت السلطنة أيضا المركز الرابع عربيا والمركز 32 عالميا هذا العام 2011 في مختلف المعايير التي تندرج تحت مؤشر التنافسية مُتقدمة بذلك على اقتصاديات دول مثل البرازيل والهند روسيا، إضافة إلى اقتصاديات دول أوروبية مثل أسبانيا وإيطاليا وبولندا.
و تنفذ السلطنة حاليا عددا من المشروعات الجديدة في قطاع النقل الجوي وذلك لمواكبة التطور الاقتصادي والصناعي الذي تشهده البلاد وجعل السلطنة مقصدا للسياح وتسهيلا للحركة الجوية من وإلى مختلف دول العالم بالإضافة إلى تسهيل تنقل المواطنين عبر الرحلات الجوية بين المحافظات وتشمل المشروعات الجديدة إنشاء مطار مسقط الدولي ومطار صلالة الجديدين ومطارات أخرى في كل من: رأس الحد، والدقم، وصحار، وأدم، وقد بلغت الاعتمادات المالية لإنشاء مطاري مسقط الدولي وصلالة 2.3 مليار ريال عُماني في حين بلغت الاعتمادات لإنشاء المطارات الإقليمية 525.7 مليون ريال موزعة على الخطتين الخمسيتين السابعة والثامنة.
أما مطار صلالة فتبلغ طاقته الاستيعابية حاليا 650 ألف مسافر سنويا وسوف ترتفع إلى مليوني مسافر عند إنشاء المطار الجديد لتصل مستقبلا إلى 10 ملايين مسافر ويشتمل المشروع على إنشاء مبنى جديد للركاب ومركز البيانات رقم (1) ومحطة الكهرباء، و8 جسور للصعود إلى الطائرات ومجمع تخليص إجراءات المسافرين و29 مصعدا و13 سلما متحركا وبرج المراقبة الجوية الجديد بعلو 86 مترا والساحات ومدرج جديد بطول 4000 متر ومسارات الطائرات بالإضافة إلى مواقف عامة للسيارات تتسع لـ 2200 مركبة شاملة مواقف كبار الشخصيات وسيارات الأجرة وساحات للخدمات العامة وساحة للصيانة شاملة ورش الشركة العُمانية لإدارة المطارات والطيران العُماني وساحة مخازن الوقود، والى جانب مطاري مسقط وصلالة يجري العمل في إنشاء مطارات داخلية في صحار ورأس الحد والدقم. وأدم، ومن المتوقع انجاز العمل فيها خلال عام 2013م.
وقد تفوق الطيران العُماني على اثنتين من شركات الطيران الدولية والتي حطت طائراتها حديثا في مطار كوالالمبور، حيث فاز الطيران العُماني بجائزة مرموقة اخرى كونه أفضل شركة طيران أجنبي واعدة لهذا العام، وذلك ضمن الدورة السنوية السادسة لتوزيع الجوائز التي عقدت أخيرا بمطار كوالالمبور الدولي، ومنحت مطارات ماليزيا بيرهاد القابضة الطيران العُماني هذه الجائزة لأدائه المتميز خلال العام الماضي 2010 م