مؤسسات قوية في دولة حديثة تواكب حركة العصر بتأن. هذه هي سلطنة عمان التي تحتفل باليوم الوطني الـ 45 محققة بجهد العمانيين وبتوجيهات سلطانهم قفزة حضارية كبيرة خلال تلك السنوات. مرد هذا نهج قائم على الثقة والمصارحة بين السلطان وشعبه الذي يترجم ذلك بالتزام وطني كبير ما يجعل بلده مفخرة له. في العام 1970 تسلم السلطان قابوس دولة تفتقر إلى المؤسسات والطرق والمواصلات والمدارس، وخزائن شبه خاوية، فكان عهده على نفسه أمام شعبه والعالم ان ينتقل بها إلى مصاف الدول المتقدمة. هذا ما قاله في أول اطلالة صحافية له بعد تولي زمام الحكم، في حديث مطول أجريته معه، ونشرته «السياسة»، يومذاك، وضمنه رؤيته إلى المستقبل، واليوم بعد 45 عاما على هذا اللقاء تعيش السلطنة ذلك العهد واقعا، وتحقق أيضا أفضل النسب في معدلات مكافحة الفساد وفي التنمية والتعليم والصحة، والأمن والتسامح الذي هو معيار أساسي لأي دولة في هذا العصر. هذا الرجل الذي لم يسبق طوال السنوات الماضية أن تخلف عن المناسبات الوطنية لم يطق العام الماضي بعده عن شعبه في احتفاله باليوم الوطني غير أن الاطباء ورجالات الدولة تمنوا عليه استكمال علاجه كي يعود بصحة جيدة ومعافى، فقبل على مضض، وربما كانت دعوات وصلوات العمانيين له بالشفاء العاجل جزءا من إبلاله من الوعكة الصحية، وكانت أيضا تعبيرا عن علاقة المودة بينه وبين شعبه ليكون بينهم اليوم مطلقا مرحلة جديدة من البناء تستكمل فيها الرؤية المستقبلية لـ «عمان 2040» الهادفة إلى الاستفادة من التطورات الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي. ربما يرى البعض ان عملية البناء في السلطنة تسير بخطى بطيئة، لكن وكما في القول المأثور ان التأني في السير يؤدي للمكان الصحيح، فها هي عُمان اليوم قادرة على مواجهة كل أعاصير وعواصف أزمات يشهدها العالم العربي بقوة الانتماء التي رسختها سياسة الرجل الذي لا هم له في الحياة الا منفعة وطنه. نعم، هناك انجازات كثيرة يمكن ان تحتفل بها عمان اليوم، الا ان الأمر الملفت هو وجود قابوس بن سعيد بين شعبه، وتجديد العهد على العمل، كما قال في خطابه في افتتاح الدورة السادسة لمجلس عمان قبل أيام: «إننا نتطلع إلى مواصلة مسيرة النهضة المباركة، بإرادة وعزيمة أكبر، ولن يتأتى تحقيق ذلك إلا بتكاتف الجهود وتكاملها لما فيه مصلحة الجميع». هذا هو التحدي الحقيقي للعمانيين الذين لم يرسبوا في أي اختبار وطني طوال العقود الماضية، وكانوا خلف سلطانهم يبنون بحرفية ودقة الصاغة دولة باتت من حواضر العرب التي يفتخر بها كل عربي.