تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، ومعها سائر الدول المنتجة للنفط في الوقت الحالي، مجموعة من التحديات التي نتجت بالأساس عن تراجع سعر برميل النفط في الأسواق العالمية، وانخفاضه إلى ما دون الثلاثين دولارا، ما جعل معظم هذه الدول – وربما جميعها – تعاني عجزا في ميزانياتها العامة، وأدى بها من ثم إلى البحث عن وسائل وأساليب لسد هذا العجز.
وعندما أثيرت هذه المشكلة لدينا في الكويت، بدأت الأنباء تتوالى عن وجود توجه حكومي لرفع الدعم عن بعض السلع والخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، من أجل سد العجز في الموازنة العامة للدولة… وقد كان المتوقع أن يكون هذا «آخر الدواء» لا أوله، باعتباره نوعا من «الكيّ» المؤلم، والذي لا ينبغي اللجوء إليه إلا بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى، فهل استنفدت الحكومة الوسائل الأخرى بالفعل؟
لم يحدث ذلك بالطبع، فقد ظلت الأمور على حالها من دون أدنى تغيير، وما يتحدث عنه كثيرون منذ سنوات طويلة، عن ضرورة وقف الهدر وترشيد الإنفاق ومحاربة الفساد، لم نرَ منه شيئا، فالهدر لايزال مستمرا في جميع الجهات والمؤسسات الحكومية، والإنفاق لم يطرأ عليه أي تغيير، والفساد مازال يترعرع ويتمدد وينتشر، كأن النفط يباع بمائة وعشرين دولارا للبرميل، كما كان شأنه منذ سنوات.
البعد الأهم في هذا الشأن أيضا هو أن الدعوة إلى إيجاد مصادر بديلة للنفط نشأت منذ عشرات السنين، ومع ذلك فإنها لم تجد آذانا صاغية حتى الآن، ولايزال اعتمادنا الأساسي في الدخل على مصدر وحيد أو شبه وحيد وهو النفط… حتى في سنوات الوفرة المالية الكبيرة التي تحققت نتيجة للطفرة الهائلة في الأسعار النفطية، فإننا لم نستثمرها بشكل صحيح في إقامة مشروعات تنموية كبيرة، تفتح لنا آفاقا جديدة للدخل، كما تضمن تعيين آلاف الخريجين من شبابنا، وتحول الطاقة الشبابية إلى طاقة فاعلة ومنتجة، لا تكتفي بالأعمال المكتبية، وإنما تتجه أيضا إلى الأعمال الحرفية والمهنية، وتساهم في خلق وعي جديد وضروري بأهمية العمل والإنتاج، وكلها مكتسبات كان من الممكن تحقيقها بسهولة ويسر، لو كان هناك تخطيط جيد، وإدارة واعية ومستشرفة للمخاطر والتحديات المستقبلية.
وحتى لا نبكي كثيرا على اللبن المسكوب، فإننا نؤكد أن الإصلاح لايزال ممكنا، فضلا عن كونه حتميا بالطبع… لكن ليس من المعقول ولا المنطقي تحميل المواطن، وخصوصا محدود الدخل، «فاتورة» هذا الإصلاح بالكامل، فأمام الحكومة كثير من الاستحقاقات التي يجب أن تقوم بها، والتي سبق أن أشرنا إليها، من دون مساس بدخل المواطن، أو تحميله أعباء جديدة، في ظل الغلاء الذي يعانيه الجميع، وتكاليف المعيشة التي ارتفعت بشكل غير مسبوق.
فلتكن البداية إذن بخطوات الإصلاح الاقتصادي التي تأخرت طويلا، عبر وقف الهدر وترشيد الإنفاق ومحاربة الفساد، ولتظهر لنا الحكومة جديتها في اتخاذ الخطوات المطلوبة لتنويع مصادر الدخل، وبعدها يمكن الحديث عن خطوات أخرى سيتقبلها المواطن حينها بصدر رحب، عندما يرى أنه شريك حقيقي في عملية التنمية، وأن كل ما يتم من تدابير وإجراءات هدفه رفاهيته وازدهاره، والحفاظ على اقتصاد دولته قويا ومتينا، وربما لن تكون هناك حاجة أصلا إلى إجراءات موجعة أو مؤثرة سلبا في دخول المواطنين وأساليب عيشهم.