كان طبيعيا ومتوقعا أن تعلن دول مجلس التعاون الخليجي، خلال الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري الخليجي الـ 42 الذي عقد بالرياض يوم السبت الماضي، تأييدها الكامل للإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية، في مواجهة الاعتداءات التي تعرضت لها بعثاتها الديبلوماسية في إيران، وتأكيدها أنها ستتخذ مزيدا من الإجراءات المناسبة للتصدي لهذه الاعتداءات، فهذا يأتي في سياق المواثيق والمعاهدات التي تعمل وفقا لها المنظومة الخليجية.
يتسق مع ذلك أيضا ما أعربت عنه دول مجلس التعاون من وقوفها صفا واحدا مع السعودية، وتأييدها القرارات والإجراءات التي اتخذتها لمحاربة الإرهاب بكل أشكاله وصوره، وملاحقة مرتكبي الأعمال الإرهابية ومثيري الفتن وتقديمهم للقضاء، فهذا لا شك هو الموقف المنتظر والمأمول من الدول الأعضاء مع دول شقيقة، والمملكة فضلا عن ذلك هي الرائدة والقائدة لمجلس التعاون، والتي لم تتوانَ يوما عن دعم أشقائهم ومساندتهم، وموقفها التاريخي الصلب ضد الغزو العراقي للكويت في العام 1990 لايزال ماثلا في الأذهان، ويمثل شاهدا حيا ورائعا على وقوف المملكة مع أشقائها في المحن والأزمات.
وعلى الرغم من هذا الموقف القوي والواضح تجاه الأزمة التي سببتها الاعتداءات الإيرانية على السفارة والقنصلية السعوديتين، في طهران ومشهد، فإن المجلس الوزاري الخليجي كان حريصا على تأكيده رفض التصعيد مع إيران، أو إيصال الأمور إلى حافة الهاوية معها، وأن يبعث برسالة مفادها أن دول «الخليجي» تبحث في الأساس عن ترسيخ أمن واستقرار المنطقة، وإبعادها عن أي توترات يمكن أن تشعل فتيل حرب فيها، ولذلك فقد دعا المجلس – في بيانه – المجتمع الدولي إلى اتخاذ التدابير اللازمة «لإلزام إيران باحترام مبدأ حسن الجوار، قولا وعملا، ووقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، ووقف دعمها الإرهاب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس ودول المنطقة، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها»، وهذه بلا شك لغة داعية إلى الحوار والتفاهم، ورافضة لـ «صب الزيت على النار»، وهي أيضا لغة تؤكد المبادئ التي قامت عليها منظومة مجلس التعاون الخليجي في الأساس، وأنها لا تبحث عن عدوات مع أحد، بل تسعى إلى تعزيز التعاون مع كل دول العالم، وبدرجة أخص مع الدول المجاورة، ومنها بالطبع إيران.
ولعل هذا ما أكده أيضا الحديث الذي أدلى به قبل أيام ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، لـ «الإيكونوميست» البريطانية، خصوصا قوله، ردا على سؤال بشأن ما إذا كان يتوقع صراعا مباشرا محتملا بين إيران والسعودية، بسبب التطورات الأخيرة «إذا كان الأمر بسبب هذا الإجراء، فلا أظن أن ذلك سيسبب مزيدا من التوتر بين السعودية وإيران، لأن التصعيد الإيراني قد وصل إلى مستويات عالية، ونحن نحاول بكل ما بوسعنا عدم التصعيد أكثر، نحن فقط نتعامل مع الإجراءات والخطوات التي ضدنا». وعندما عادت الصحيفة لتسأله: هل هناك احتمالية لنشوب حرب بين بلديكم، حرب مباشرة؟ أجاب: «هذا أمر لا نتوقعه مطلقا، ومن يدفع بهذا الاتجاه فهو ليس في كامل قواه العقلية، لأن الحرب بين السعودية وإيران تعني بداية كارثة كبرى في المنطقة، وسوف تنعكس بقوة على بقية العالم، وبالتأكيد لن نسمح بحدوث ذلك».
قوة الموقف الخليجي إذن وصلابته، لا تعني بأي وجه الدعوة إلى إشعال حرب مع إيران أو غيرها، فهذا ليس من نهج دول مجلس التعاون، الساعية دوما إلى دعم استقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها، والراغبة في إخلائها من أسلحة الدمار الشامل، والمطالبة بأن يمارس المجتمع الدولي دوره الفاعل لإنهاء الأزمات والصراعات في سورية والعراق واليمن، من أجل أن تستعيد المنطقة أمنها، وتستأنف مسيرة التنمية الضرورية لشعوبها، بعد سنوات من الدمار والخراب طال أمدها، ولا شك في أنها أحوج ما تكون الآن إلى التقاط أنفاسها، وليس لإشعال حرب جديدة تأتي على ما تبقى من أمنها واستقرارها وتنميتها.