لا يكاد يختلف اثنان على أن المملكة العربية السعودية ومصر هما قاطرة التقدم والتطور للأمة العربية، وجناحا الأمن والاستقرار للمنطقة كلها، وأنه من دونهما لا يمكن أن يتم للأمة تقدم أو تطور، ولا يتحقق للمنطقة أمن أو استقرار.
من هنا جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر، لتؤكد هذا المعنى، ولتتوج علاقة تاريخية بالغة العمق والتجذر بين الدولتين والشعبين الشقيقين، وشكلت المباحثات التي أجراها مع أخيه الرئيس عبدالفتاح السيسي، علامة فارقة سيكون لها تأثيرها القوي والمؤثر في مستقبل منطقتنا، وفي اعتقادنا أن نتائجها ستشكل مفتاحا للولوج إلى حل العديد من الأزمات والصراعات الدموية التي تضرب الكثير من الدول المحيطة، والتي أنهكت شعوبها، واستزفت مواردها البشرية والمالية، وهددت بزعزعة أمن واستقرار المنطقة كلها، وفرّخت لنا كل تلك الجماعات الإرهابية التي لم تعد تكتفي بنشر إرهابها في دولها ومحيطها العربي، بل امتد شرها إلى مختلف دول العالم الأخرى شرقا وغربا.
ومن المؤكد أن تاريخا جديدا سيكتب للعلاقات المصرية السعودية بعد هذه الزيارة، إذ يكفي أن نشير إلى ما جرى توقيعه من اتفاقيات للتعاون المشترك، بلغت 36 اتفاقية، شملت جميع مجالات التعاون، وتوجتها اتفاقية إقامة الجسر البري الذي لن يكون فقط رابطا بين دولتين، بل إنه سيربط بين قارتين، وسيشكل نقلة هائلة على الصعيدين الإقليمي والدولي في مجالات التجارة والسياحة والاستثمار والتنقل وغيرها.
إن مصر والسعودية قادرتان بما دشنته هذه الزيارة التاريخية، على أن تعيدا الأمور إلى طبيعتها في المنطقة، وتقوداها إلى الأمن والاستقرار والتنمية، بما يحقق الخير لجميع شعوبها، وكما قال خادم الحرمين في كلمته أمام مجلس النواب المصري، فإن «هناك قناعة راسخة بين الشعبين بأن الترابط بين البلدين الشقيقين هو الركيزة الأساسية في العمل العربي»، فضلا بالطبع عن مهمة أخرى تعنى بها الدولتان الكبيرتان أشد عناية، وهي محاربة التطرف والإرهاب، من خلال توحيد الرؤي والمواقف لمواجهة هذه الظاهرة، على المستويين العربي والإسلامي، وعبر التعاون أيضا مع سائر دول العالم الأخرى.
لقد كانت زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر، زيارة تاريخية بحق، لأن تاريخ الدولتين والمنطقة كلها بعد الزيارة، لن يكون كما كان قبلها، بل سيشهد الكثير من المتغيرات المهمة والإيجابية، لخير منطقتنا وخير الإنسانية كلها.