الشيخة حصة الحمود السالم- الانباء
نستقبل خلال أيام شهر رمضان المعظم ونبارك ونهنئ أنفسنا بقدوم هذا الضيف السنوي المبارك، وهو منحة إلهية رحمة بالعباد ومغفرة لذنوبهم وعتقا لرقابهم من النار، هو شهر نلتمس فيه نفحات إيمانية ندعو الله فيه بخشوع أن يهدينا سبل الخير والأمن والأمان، هو شهر فرض علينا صومه حتى نشعر بالفقراء والمساكين لنمد لهم أيادي خصبة تنبت فيها الصدقات لنتراحم ونعود إلى فطرتنا السوية وإنسانيتنا التي نكاد نفقدها على مدار العام تحت وطأة الحياة المادية القاسية والانشغال بمصالحنا الخاصة الضيقة على أنفسنا، هي فرصة لنوسع هذه الدائرة التراحمية مع الأقارب والأصدقاء والمحتاجين لنستشعر هذه المشاعر الجميلة لنساهم في تأصيل معاني الإنسانية.
حكمة الصيام وفلسفته إذا تدبرناها بصدق سنكتشف فيها عالما مفقودا من المعاني الجليلة والروحانيات الفائقة، ضعف الجسد في لحظات الجوع والعطش يدلل على أن الروحانية مغطاة بستار من الشهوات نتيجة طغيان الحياة المادية على الجوهر الإنساني فنجد أن الصيام يزيح عنا هذا الطغيان المادي لنكتشف رقة النفس البشرية كالمريض الذي تشتد مناجاته لله في لحظات مرضه بغية الشفاء العاجل، شهر رمضان هو شهر التهذيب وتقليم أظافر الكبر والغرور، هو شهر إعادة ترميم النفس وما أصابها من تشوه طوال العام بفعل المعاصي والتشاحن والغل والأنانية والتبذير والاستكانة إلى جميل فضل الله بلا ذكر أو شكر.
شهر رمضان ثورة على النفس وجرس تنبيه للبشرية جمعاء وليس فقط للمسلمين بضرورة التلاحم والتراحم بين الشعوب، في إحدى زياراتي لألمانيا لاحظت هناك غير المسلمين وهم يقدمون التمور وسجاجيد الصلاة للمسلمين وهي رسالة للمتطرفين وتذكير لهم بأن الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة تؤتي ثمارها إن توقفنا أمام هذا السلوك الإنساني الرائع من إخواننا في الإنسانية أو على أقل تقدير نترك الناس وحريتهم ونحترم عقائدهم لأنهم فعلوا ذلك استجابة لنداء الفطرة الإنسانية بلا واعظ ديني أو قرار سياسي.. لأن الإنسانية هي المقصد والهدف الأعظم.
كما ينبغي علينا ألا نحول الشهر الكريم إلى حالة استنفار في الجمعيات والأسواق لشراء مستلزمات الطعام والشراب وكل ما تشتهيه الأنفس لأن ذلك ينافي الحكمة من الصيام في هذا الشهر، فهي فرصة للانقطاع من أجل العبادة وتصفية الذهن والنفس من شوائب المعاصي والشهوات، وعدم تلبية دعوات الإفطار خارج المنزل وتحويل الشهر الفضيل الى حفلات تبذير وذلك منهي عنه في الأيام العادية فكيف بشهر الصيام والزهد والترفع عن الشهوات، وهذا يدفعني دائما الى النصيحة وخاصة للشباب والذي تحول شهر رمضان بالنسبة لهم إلى كسل ونوم وسهر للتدخين ومتابعة المسلسلات والبرامج وتأفف وتربص بأيام الشهر الكريم لتنقضي، وللأسف هذه العادات السيئة التي تظهر في الشهر الفضيل تجعلنا ممسكين وليس صائمين، لأن الأثر المعنوي للصيام الصحيح يستمر طوال الشهر في نهاره وليله، ولذلك أنصحهم بأن يتجردوا لطاعة الله وأن يغتنموا الفرصة لتصحيح هذه الأوضاع، وعلى الآباء أن يربوا أبناءهم على احترام الشهر الفضيل وأن عبادة الله وتعظيم شعائره وحرماته من تقوى القلوب وأن الطاعة فيه لها ثمرة وبركة في كل الخطوات التي نخطوها.
شهر رمضان رسالة رحمة من الرحمن لنا بأن نتراحم، فالراحمون يرحمهم الله ويغفر لهم.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، اعملوا صالحا، أفشوا السلام، أطعموا الطعام، حافظوا على الصلوات وأقيموها في نفوسكم، تبسموا في وجوه الناس، احفظوا شيئا من القرآن وتدبروا معانيه واجعلوا ذلك الشهر الفضيل بداية مع الله، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، تصدقوا، اذكروا الله كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا، صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، علقوا قلوبكم بالآخرة فالدنيا إلى زوال ولن تخلدوا فيها، فعليكم بالقرآن حتى تنعموا برضا الرحمن.