تمر بنا هذه الأيام الذكرى الأولى لتفجير مسجد الإمام الصادق في منطقة الصوابر، والتي وقعت في شهر رمضان الهجري ويونيو الميلادي من العام الماضي. وبقدر ما تثير الذكرى من أشجان وأحزان، على الضحايا الأبرياء من «الركع السجود» الذين استشهدوا وهم يؤدون صلاة الجمعة، فإنها تثير أيضا الكثير من مشاعر الفخر والاعتزاز بالكويت.
فعلى الرغم من قسوة ما حدث وبشاعته، فإن ما رافقه وما تبعه من مواقف سجلها أبناء الكويت، أكدت أن هذا الشعب لن يضام أبدا، ما ظل متمسكا بوحدته الوطنية، واجتماع أبنائه على المحبة والتكاتف والتآلف، ورفضهم كل دواعي الفتنة ومحاولات شق الصف الواحد.
ولا جدال في أنه يأتي في ذروة هذه المواقف، ما فعله صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، الذي فوجئ الشعب الكويتي كله، حين رأى سموه يقف مع أبنائه المواطنين أمام مسجد الإمام الصادق، عقب دقائق معدودة من وقوع الحادث، وأصر يومها على دخول المسجد لتفقد أوضاعه والاطمئنان على المصابين.. وحين أشار بعض رجال الأمن إلى خطورة دخول المسجد في تلك اللحظات، رد سموه بعبارة تحولت بعدها إلى «أيقونة» للوحدة الوطنية، حيث قال «هذولا عيالي»، وهي عبارة حملت كل معاني الصدق والمودة، ولذلك دخلت قلوب جميع الكويتيين، وجعلوا منها شعارا يرددونه دائما، للتدليل على وحدتهم وتكاتفهم وتماسكهم.
زاد من روعة الموقف ونبله وقتها، أن أهالي الضحايا ارتقوا فوق جراحهم، ورفضوا المتاجرة بما حدث رغم بشاعته، أو وضعه في إطار مذهبي، واعتبروا أن ما حدث هو مصاب للكويت كلها، دون تفريق بين أي من أبنائها، وأن مرتكبي تلك الجريمة الشنيعة لا يمثلون إلا أنفسهم، وأنهم مدانون ومرفوضون من الجميع، وأن هذا الوطن العزيز سيظل بمنأى عن الاختراق من أعدائه والمتربصين به، لأن لديه من المناعة الوطنية ما يحصنه ويحميه، ويجعله عصيا على الانجرار وراء الفتنة، أو التأثر ب «نافخي الكير» الذين يسعون لإحراق الأخضر واليابس في كل منطقتنا، وليس في الكويت وحدها.
لقد خرجت الكويت من هذا الحادث الأليم، وهي أكثر قوة، وأصلب عودا، وأشد مناعة، فقد ضربت قيادتها السياسية المثل والقدوة في معنى التضحية من أجل الوطن، والاستعداد لتحمل المخاطر في سبيله، والتأكيد للدنيا كلها أن أبناء هذا الوطن جميعا لهم عند قيادتهم المحبة ذاتها والتقدير نفسه، وأن القيادة الحكيمة والرشيدة لا تعرف تفرقة أو تمييزا بين أبناء شعبها، وأن الكويت كما توجتها الأمم المتحدة بحق «مركز للعمل الإنساني»، وأميرها هو «قائد للعمل الإنساني»، وأن هذه القيادة مؤتمنة على دولتها وشعبها، وهي جديرة حقا بتقدير هذا الشعب، وتقدير العالم كله لها أيضا.
نعم نتذكر بأسى ما حدث، ونترحم على أرواح الشهداء الطيبين، الذين لقوا ربهم راكعين ساجدين، ولكننا نتذكره أيضا باعتزاز كبير بهذا الوطن، وبالشعب الكويتي العظيم، وبالقيادة الحكيمة، ونردد دائما «كم أنت كبيرة يا الكويت».