المرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان، نجم لامع في سماء العمل الخيري الكويتي ، ويعلم القاصي والادني بفضل زكاة العثمان ودورها في دعم الفقراء داخل وخارج الكويت ، وكانت بداياته من التجارة الرابحة فكان كلما نمت ثروته نما عمله الخيري واتسع نطاقه ليتعدى حدود الكويت إلى مختلف بقاع العالم ،كما سخّر المرحوم عبدالله العثمان جزءا كبيرا من تبرعاته في نصرة القضايا العربية.
يتحدث نجله عدنان عبدالله العثمان عن حياته ونشأته والمراحل المتعددة التي مر بها خلال مسيرته:
ولد المرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان في عام 1897م، في أسرة آل العثمان المعروفة بالتجارة والعلم والأوقاف الخيرية، ومنذ الصغر تعلم في الكتاتيب ثم التحق بمدرسة المباركية عام 1911 ضمن الدفعة الأولى من طلابها، وفي عمر الـ 16 طلب منه مدير المدرسة عمر عاصم تولي مهنة التدريس لما رأى فيه من نبوغ وشغف بالمعرفة.
وقد ساهم التعلم المبكر لعبدالله العثمان في تجارب مهنية صقلت خبرته من خلال مشاركته في عام 1918 برحلات الطواش راشد الفرحان إلى بومباي، حيث كان كاتبا لديه وممسكا للدفاتر المحاسبية، لما كان له من الخبرة في مسك الدفاتر والكتابة والخط الجميل، وخلال رحلات بومباي تعلم العثمان أصول تجارة اللؤلؤ وكذلك اللغة الانجليزية، ثم في عام ١٩٢٥ شارك في رحلات الغوص على سفينة «الشوعي» المملوكة لوالده عبداللطيف، وبالأخص في موسمي الردة والرديدة.
مدرسة العثمان
كانت مدرسة العثمان التي تأسست عام 1931 نموذجا مميزا للمدارس الأهلية التي كان فيها التدريس نظاميا ويتعلم فيها الطلبة اللغة العربية، الفقه، التاريخ، الحساب، العلوم، المطالبة، اللغة الإنجليزية ومسك الدفاتر المحاسبية.
وقد أسسها المرحوم عبدالله العثمان مع إخوته الملا عثمان والملا محمد والملا عبدالعزيز، ووصل عدد طلابها إلى 350 طالبا، وفق سجلات المدرسة المحفوظة لدى أرشيف العائلة، وقد كان لدور م. عدنان عبدالله العثمان في حفظ هذه السجلات من الضياع وإعادة توثيقها أكبر الأثر في حفظ هذه الحقبة من تاريخ الكويت.
وقد تم إصدار كتاب مدرسة العثمان في عام 2012 ليحمل قصة هذه المدرسة كاملة، والتي أغلقت أبوابها عام 1942 كمثيلاتها من المدارس الأهلية في الكويت، حيث توفر التعليم المجاني من الدولة.
وبعد أن أغلقت مدرسة العثمان استمر إخوته في سلك التعليم وانطلق المرحوم عبدالله العثمان في السلك المهني، فعمل كاتبا لدى بلدية الكويت عام 1935 ثم أصبح مديرا لها عام 1942، ففي 8 سنوات من العمل الجاد والخلق الحسن حاز الثقة وترقى إلى أن أصبح مديرا للبلدية، ولم يترك حبه للتعلم والإيمان فقد تولى الإمامة في مسجد قصر نايف بطلب من الشيخ عبدالله الأحمد الصباح.
تجارة العقار
في عام 1948 تقاعد المرحوم عبدالله العثمان من عمله في البلدية ليؤسس مكتبه العقاري في منطقة المرقاب، ومن هناك أسس العثمان تجارته الكبيرة في مجال العقار وتجارة الأراضي لما تمتع به من رؤية مستقبلية توقع فيها امتداد التوسع السكاني خارج حدود السور.
ومن تلك الرؤية فتح الله سبحانه وتعالى بابا كبيرا من أبواب الرزق الذي جعلته في مصاف كبار أثرياء الكويت والعالم العربي، وبفضل خلقه الحسن ويسر تعامله ذاع صيته وإقبال الناس للتعامل معه، حيث اشترى إحدى الأراضي الكبيرة البعيدة عن العاصمة بما فيها من ملاك لأراض صغيرة، وأعطى كل صاحب أرض أرضه مع قبوله لشهادته الشفوية أو ورقة مكتوبة منهم دون تعنت بل سماحة وخلق دمث.
ولم تبدل تلك الثروة الكبيرة شيئا من خصال المرحوم عبدالله العثمان وإيمانه بحقوق الفقير في مال الغني، فكان كلما نمت ثروته نما عمله الخيري واتسع نطاقه ليتعدى حدود الكويت إلى مختلف بقاع العالم.
ففي الكويت وعلى أرضه وبين أهله عرف عن المرحوم عبدالله العثمان أنه لم يرد طالبا للمساعدة عن بابه وكان يبادر إلى تقديم العون للفقراء والمحتاجين، ولا تزال محفوظة في تاريخ الكويت ذكرى زكاة العثمان، حيث يتجمع الناس ويقفون في طوابير طويلة أمام ديوان بيت العثمان في منطقة النقرة – الآن متحف بيت العثمان حيث يوزع زكاته بنفسه.
كما جسد المرحوم عبدالله العثمان مبدأ التكافل الطبي المؤسسي المدني في بادرة سبقت عصره وذلك في كفالته لغرفتين بالمستشفى الأميركي، وهو المستشفى الوحيد في الكويت آنذاك، حيث يتولى المستشفى في الغرفتين علاج الفقراء بكامل الخدمة الطبية المطلوبة وذلك على كفاله العثمان المالية، فكان المرحوم يوقع عقدا سنويا مع المستشفى يدفع بموجبه كل مصاريف علاج من احتاج للغرفتين على مدار العام.
مسيحي يتبرع بأرض للمسجد
كان المرحوم عبدالله العثمان لا يفرق في عطائه بين جنسية أو دين أو مذهب، ومن القصص العجيبة في لبنان التي كان يسافر لها في كل صيف ويرافقه طبعه المعطاء فينفق يمنة ويسرة، ولا يرد سائلا، وقد أكسبه ذلك محبة الشعب اللبناني من مختلف مذاهبه، وتجلت تلك المحبة في حضور وفود ورؤساء طوائف لبنان الإسلامية والمسيحية والدرزية افتتاح جامع العثمان في بحمدون عام 1957.
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل من هذا التسامح والمحبة سببا في إعمار جامع العثمان في صيدا، فالأرض التي بني عليها الجامع كانت في الأصل مملوكة لمواطن لبناني مسيحي من أصل أرمني كان ينوي بناء كنيسة على أرضه، ولكن لما رآه من العمل الخيري للمرحوم عبدالله العثمان في لبنان عرض عليه التبرع بالأرض ليبني عليها جامع.
ورحب المرحوم عبدالله العثمان بالعرض بشرط أن يشتري منه الأرض لأن الجامع لا يقام على هبة، فاشتراها منه بسعر رمزي وأقام عليها الجامع، ومما يجدر ذكره أن في ذاك الوقت كانت تلك المنطقة من صيدا غير مأهولة بالسكان، لكن ولله الحمد بعد بناء الجامع تعمرت المنطقة وازدحمت بالسكان.
وكان لإعمار الجوامع المحل الأقرب لقلب المرحوم عبدالله العثمان ونطاق عمله الخيري، ففي الكويت أقام المرحوم عبدالله العثمان جامع النقرة وكان من أكبر الجوامع في الكويت حينها، وكذلك له جوامع العقيلة وخيطان.
أما خارج الكويت فله جامع العثمان الكبير في العاصمة دمشق، وهو الأكبر من بعد الجامع الأموي، وجامع العثمان في البصرة، وكذلك في لبنان له جوامع العثمان في بحمدون وصيدا، وجامع شانيه الذي أوصى ببنائه في وصيته وتم تنفيذ هذا البند من الوصية وتم إعمار الجامع عام 2015.
وعدا الجوامع التي تولى بناءها بالكامل، فقد كانت له إسهاماته في دعم وإعمار الجوامع وإعادة ترميمها، ومنها الجامع الإبراهيمي ومسجد قبة الصخرة المشرفة، وكذلك اهتم المرحوم بدعم إعمار الجوامع والمراكز والمدارس الإسلامية في دول العالم الإسلامي والدول غير الإسلامية حيث تقطن الجاليات الإسلامية ومن تلك الدول ألمانيا واليابان والفلبين وتايلاند والأرجنتين وكينيا ونيجيريا وغانا والهند.
القضايا العربية
وعلى الجانب الاخر، فقد سخر المرحوم عبدالله العثمان جزءا كبيرا من تبرعاته في نصرة القضايا العربية ومنها تبرعاته لمصر إبان العدوان الثلاثي وشهداء بورسعيد والجيش المصري والتي منحه على إثرها الرئيس جمال عبدالناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1957، وكذلك حرص على التبرع لمختلف الجمعيات والصناديق الخيرية الداعمة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
ومن بين القضايا الرئيسية التي حرص المرحوم على دعمها هي قضية الثورة الجزائرية، فقد بلغت تبرعاته لها سنويا 500 ألف روبية وفي عام 1958 تبرع بمليون روبية دعما لقضية الجزائر وتحريرها من الاستعمار الفرنسي.
كما امتد العمل الخيري للعثمان ليشمل العمل الإغاثي، ففي عام 1960حين ضرب الزلزال أغادير في المغرب تبرع المرحوم عبدالله العثمان بمبلغ 350 ألف روبية، وكان أكبر مبلغ سجلته جريدة – الكويت اليوم – التي نشرت أسماء المتبرعين من الكويت والمبالغ التي تبرعوا بها، كما تبرع لدعم العمل الإغاثي في باكستان الشرقية حين ضربها الإعصار عام 1965.
500 مشروع خيري
وكانت هذه التبرعات تتم عن طريق حكومة الكويت، حيث تختم وصولات التبرع بختم دائرة الشؤون الاجتماعية في حكومة الكويت، وهو ما يؤكد أن العمل الخيري الكويتي لطالما كان عملا مؤسسيا ترعاه الدولة.
وقد تولى م.عدنان العثمان نجل المرحوم عبدالله العثمان وعضو لجنة أوصياء إدارة وتنمية ثلث العثمان في الأعوام الماضية مهمة البحث في أرشيف سجلات المحاسبة للمرحوم والده، حيث استدل من بعد البحث في جزء منه على ما يزيد عن 500 مشروع خيري تبرع له المرحوم في حياته.
«تجارة لا تبور» أوصى بها عبدالله العثمان
اوضح عدنان عبدالله العثمان أن هذا العطاء المتجدد للثلث الخيري من بعد وفاة صاحبه بـ 60 عاما دلالة ربانية على البركة العظيمة التي يسبغها الله سبحانه وتعالى على أموال الصدقات والزكاة والأوقاف، وبهذا يكون المرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان بإذن الله وفضله قد ربح في تجارته مع الله سبحانه وتعالى، تلك التجارة التي لا تبور ولا يعرف فيها المؤمن سوى الربح والإحسان.
وصية الخير .. من أيادي الخير
توفي المرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان في 15 ديسمبر عام 1965، لكن عمله الخيري لم ينته بوفاته بل شاء رب العالمين أن يستمر متدفقا بالعطاء إلى يومنا هذا، فقد أوصى المرحوم عبدالله العثمان في وصيته بثلث ماله للعمل الخيري يستثمر ويصرف من إيراده في تمويل المشاريع الخيرية داخل وخارج الكويت في دول العالمين العربي والإسلامي.
وتعتبر وصيته فريدة من نوعها يطول شرحها وتفردها، وهي تدل على رؤية ثاقبة ومحبة لاستمرار الخير ما بعد وفاته، وبعد كل تلك السنين الطوال يتدفق الخير إلى يومنا هذا وتترحم الناس عليه في بلاد الله قاطبة.
«البروميناد» .. معلم كويتي
قال عدنان عبدالله العثمان انه في سبيل توسعة نطاق العمل الخيري الذي يقوم به ثلث العثمان، وتنفيذا لوصية المرحوم في استثمار أموال الثلث في سبيل زيادة إيراداتها المنصبة في عمل الخير، فقد تولى ثلث العثمان تمويل مشروع تجاري خيري هو الأكبر في منطقة الشرق الأوسط ألا وهو مجمع المرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان التجاري الخيري في الكويت والمعروف باسمه التجاري «البروميناد» والذي افتتح في ديسمبر من عام 2015، وقد استقبل المجمع هذا العام وفود الأيتام من 80 دولة والتي زارت الكويت أثناء إقامة فعاليات الملتقى السابع للأيتام في شهر أبريل. «الأنباء».