لم يعد مقبولا بأي وجه أن يستمر نمط التنمية في الكويت، بالإيقاع نفسه الذي عرف به من عشرات السنين، وتحديدا منذ بداية تدفق النفط، واعتمادنا عليه كمصدر وحيد، أو شبه وحيد للدخل.. ربما كان ذلك مفهوما في فترة من الفترات، حيث شهدت أسعار النفط ارتفاعات قياسية، أغرت بالاعتماد عليه بشكل شبه كامل في الدخل، ولم تكن الأعباء المفروضة على الدولة ضاغطة ومرهقة، كما نرى الآن.. وربما تكفي الإشارة إلى ما تداولته بعض الصحف اليومية أخيرا حول مشكلة ارتفاع كلفة الرواتب، والتحذير من أنها قد تصبح «كابوسا» يهدد الحالة المالية للدولة، في ظل ما تتوقعه الأرقام من أن تصل نسبة تضخم الرواتب والأجور إلى نحو 13 مليار دينار، خلال السنوات الثلاث المقبلة، وبمعدل 70 في المائة من ميزانية الدولة للعام الحالي، والتي تبلغ 19 مليار دولار.
وينبغي ألا ننسى أيضا ما حدث من زيادة سكانية خلال العقود الماضية، وهو ما فرض على ميزانية الدولة المزيد من الأعباء، وهو ما لا بد أن يدفعنا كذلك إلى الخروج من «شرنقة النفط»، والتحول إلى التنمية الشاملة فعلا لا قولا.. ذلك أننا ظللنا سنوات طويلة نردد هذا المصطلح، لكن من دون أن يتحول إلى واقع حقيقي يلمسه الناس ويحسون بأثره الإيجابي.
صحيح أن الكويت تشهد في السنوات الأخيرة طفرة عمرانية كبيرة، تتمثل في العدد من المدن الإسكانية الجديدة التي تقام في العديد من مناطق الدولة، ولا شك أنها أسهمت بنصيب وافر في معالجة الأزمة الإسكانية، فضلا عن إنشاء الكثير من المشاريع العملاقة الأخرى كجسر جابر، وكذلك المشروعات التي تتكفل بتطوير الخدمات الصحية مستقبلا بدرجة كبيرة، كمستشفى جابر وتطوير المستشفيات القائمة.. وكلها مشاريع تصب لمصلحة النهضة المأمولة في الكويت.
لكن يبقى أن يتواكب مع ذلك كله تطور مماثل في إقامة المشاريع الإنتاجية الكبرى، فنحن نترقب أن نرى عشرات المصانع الكبيرة، التي تدخل الكويت إلى عصر ما بعد النفط، وتحول حلم تعدد مصادر الدخل إلى حقيقة.. ونحن بحاجة أيضا إلى نهضة سياحية فاعلة، تجعل من الكويت قبلة للسياحة المحلية الإقليمية، كما نجحت في ذلك دول مجاورة، وتفوقت فيه حتى على دول متقدمة في العالم.
وعلينا أن نتذكر أن الكويت دولة لا تنقصها الموارد، فهي تملك الكثير منها، وأهمها وأغلاها الموارد البشرية، فالإنسان الكويتي أثبت نجاحه في كل ميدان، وعلى كل صعيد.. ما ينقصنا حقا هو إستراتيجية تنموية شاملة، ورؤية بعيدة النظر، وإرادة تحول ذلك كله إلى عمل وإنجاز، وتضعه موضع التنفيذ الفوري، دون إبطاء أو تأجيل.