مهما سافر الكويتي أو ارتحل، فإنه يحمل الكويت بين جوانحه، ومهما رأى من جمال في بلاد الله، فإن قلبه يظل مشدودا إلى الكويت، مترقبا اللحظة التي يعود فيها إليها، فهي حبه الأول والأخير.
وطوال ابتعاد الإنسان عن وطنه، وتطوافه في الدول الأخرى، خصوصا الدول الأوروبية المتقدمة، لا يغيب عن ذهنه أبدا سؤال مؤداه : لماذا تقدم الآخرون، وحققوا كل هذا التطور في شتى مجالات الحياة، ولم نستطع نحن مجاراتهم واللحاق بهم ؟
لن نغمط أنفسنا حقها وندعي أننا لم نتقدم أو نتطور، فقد أحرزنا الكثير من التقدم والتطور العمراني، ولدينا الآن الكثير من المشاريع الإنشائية الضخمة قائمة على قدم وساق.. غير أن ما نعنيه هو النهضة الشاملة التي لا تتوقف عند حدود العمران والإنشاءات، بل تتعداها أيضا إلى الفكر والثقافة والفنون والرياضة والسلوك والأخلاقيات، أي مجموع ما يصنع حضارة أي أمة، فلا نزال بهذا المعيار متأخرين كثيرا عن سوانا.
تذهب إلى دول أخرى فيستوقفك بلا شك ذلك الاحترام الشديد للقانون، والتزام الجميع به، من دون أي تفرقة أو تمييز، ويتجلى ذلك بأروع صوره في حركة المرور، فلا تجد لديهم ما نراه عندنا من مخالفات صارخة مثل كسر الإشارة الحمراء، أو مضايقة الآخرين بصور مختلفة، أو «التقحيص» في الشوارع العامة والميادين، وتهديد حياة الآخرين بالخطر. وتدهشك أيضا تلك السرعة التي يتم بها إنجاز مصالح الناس، من دون تباطؤ أو تلكؤ، أو اختراع حجج وأعذار لتبرير الإهمال والتكاسل. كما لا بد أن يلفتك مستوى النظام والنظافة في الطرقات والأماكن العامة والحدائق، وفي كل مكان تذهب إليه.
ولا بد أن تقدر فيهم أيضا هذه الجدية التي تلف حياتهم، وهي جدية لا تعني الجهامة أو الكآبة، فهم قادرون على الاستمتاع بحياتهم وإمتاع وإسعاد الآخرين أيضا، لذلك يحرص الناس من كل أركان الدنيا على زيارتهم وقضاء إجازاتهم في دولهم. إن الجدية التي نعنيها هي وضع كل شيء في نصابه، وفي موضعه الصحيح، وإعطاء كل ذي حق حقه، ومعرفة كل مواطن لديهم ما له من حقوق، وما عليه من واجبات.
لا نريد من هذه المقارنات أن يتصور أحد أننا سيئون، أو حتى أننا أقل من غيرنا.. بل على العكس فلدينا الكثير من القيم والتقاليد التي يفتقدها غيرنا. ويكفي أن نشير مثلا إلى ما بيننا من صلة الأرحام والتآلف الحميم بين الأهل والجيران، وشعورنا في الكويت بأننا جميعا أسرة واحدة. لكن هذا لا يمنع أن نسعى إلى الأفضل، وأن نتعلم مما نراه لدى الآخرين، وفي مقدمة ذلك بلا جدال احترام القانون والجدية في العمل، وكذلك احترام حريات وخصوصيات الآخرين، وبذل الجهد من أجل أن تكون نهضتنا شاملة، لنكون جديرين حقا باللحاق بركب الدول المتقدمة.