لم تكن مناسبة عادية تلك التي أحيتها مصر هذا الأسبوع، باحتفالها بمضي 150 عاما على بدء الحياة النيابية فيها، ذلك أن هذا التاريخ يعني ـ ضمن ما يعنيه ـ أن مصر كانت خامس دولة في العالم ينشأ فيها مجلس نيابي، فلم يسبقها إلى هذا التطور الكبير سوى أربع دول.. كما أنه يعني أن التجربة البرلمانية المصرية قد بلغت مرحلة النضج، وباتت معلما من معالم الحياة السياسة في مصر والعالم العربي كله.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لمسيرة البرلمان المصري العريق، فإن الظروف والتحديات التي تواجهها مصر الآن، والتي وصفها الرئيس عبدالفتاح السيسي بحق ـ في كلمته ـ بأنها «تحديات جسيمة» تضاعف من حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق مجلس النواب الحالي، وقد كان هذا المجلس عند حسن الظن به، وتمكن خلال مدى زمني قصير من استكمال المهام التشريعية التي نص عليها دستور 2014، ليمضي بعدها في ممارسة مهامه التشريعية والرقابية، ويسهم في استعادة مصر لدورة الحياة السياسية الطبيعية، وضخ الدماء في شرايين الاقتصاد والتنمية والاستثمار، والصحة والتعليم والإسكان، وغيرها من المجالات.
ولابد من التنويه أيضا بما أكد عليه الرئيس السيسي، من أن البرلمان الحالي هو الأوسع تمثيلا للشعب المصري، طوال مسيرة القرن ونصف القرن، حيث تبلغ نسبة تمثيل الشباب فيه أكثر من 40 في المائة، فضلا عن تمثيل المرأة فيه بتسعين مقعدا، إضافة إلى تمثيل المصريين في الخارج، والمقاعد المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة.. ومن المؤكد أن مصر لم تعرف في تاريخها تمثيلا أشمل ولا أصدق لشعبها بكل أطيافه وتنوعاته السياسية والحزبية والعمرية والاجتماعية، كما في البرلمان الحالي، وهو – كما سبق أن أشرنا – ما يضاعف من مسؤولياته، ويحتم على نوابه أن يدركوا حجم الآمال والتطلعات التي يعلقها الشعب المصري في أعناقهم، بما يستوجب أن يضيقوا من مساحة الخلافات السياسية والحزبية بأقصى ما يستطيعون، وأن يكون جل تركيزهم على إنجاز القوانين والتشريعات التي تحتاج إليها مصر في الوقت الحالي.. ولا نريد أن نحدد لهم المجالات التي تفتقر إلى مثل تلك التشريعات، ف «أهل مكة أدرى بشعابها»، لكننا نكتفي بالإشارة إلى ما بات معروفا بالضرورة لدى المصريين وغير المصريين، من الحاجة الماسة إلى تشريعات جديدة تنسف أي عقبات أو عراقيل أمام حركة الاستثمار في مصر، وتفتح الطريق واسعا أمام المستثمرين المصريين والعرب والأجانب، لكي يجلبوا رؤوس أموالهم ويقيموا المئات – بل الآلاف – من المشروعات الكفيلة بمضاعفة الإنتاج، وتنمية الصادرات، وتوظيف الملايين من الشباب.
صحيح أن مصر قد قطعت شوطا كبيرا ومهما خلال السنتين الماضيتين، ومنذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مسؤولية رئاسة الدولة، وأنجزت الكثير من المشروعات القومية الكبرى، كإنشاء قناة السويس الجديدة، بما يرافقها من تطوير إقليم القناة، وشق أنفاق جديدة تصل الوادي والدلتا بسيناء، وتحدث طفرة مرتقبة في عملية التنمية، فضلا عن أهدافها الأبعد والأهم والمتمثلة في تعزيز الأمن والاستقرار والقضاء على الإرهاب، وكذلك الشروع في مشروعين آخرين طموحين، أحدهما هو العاصمة الإدارية الجديدة، والآخر هو استصلاح وزراعة مليون ونصف المليون فدان، لكن لا يزال أمامها الكثير أيضا لتحققه وتنجزه، تعويضا عن ما فاتها خلال سنوات طويلة مضت.
إننا إذ نهنئ مصر الشقيقة، قيادة وبرلمانا وشعبا، باحتفالها بمرور 150 عاما على بدء الحياة النيابية فيها، لنتمنى أن تكون هذه المناسبة منطلقا جديدا للمزيد من الإنجازات والانتصارات في كل الميادين.