• نوفمبر 21, 2024 - 5:26 مساءً

مصر والخليج .. مصير واحد

لا بدّ أن نتفق منذ البدء على أن ارتباط مصر بأمتها العربية، ليس اختيارا، يمكن لها أن تقبل به أو تنحيه جانبا، وإنما هو قدر حتمته ظروف التاريخ وعوامل الجغرافيا، وهو ارتباط رسخته قرون طويلة مضت، ولا فكاك منه بأي وجه.. يعرف ذلك الشعب المصري، كما تعرفه وتعيه تماما كل الشعوب العربية.
إذا اتفقنا على هذا المبدأ ـ ولا أظن أحدا يختلف عليه – فإننا لا شك متفقون أيضا على أن علاقة مصر بدول مجلس التعاون الخليجي، هي الأكثر رسوخا وثباتا خلال التاريخ الحديث، وهو ما أكدته شواهد لا حصر لها، حيث امتزجت دماء الشهداء المصريين مع دماء شهداء الكويت والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان، سواء على أرض سيناء في الحرب ضد إسرائيل، أو على أرض الكويت عام 1991 في معركة تحريرها من غزو الثاني من أغسطس الآثم عام 1990.
هذا الارتباط الوثيق لم يغب يوما عن وعي وتخطيط القيادة المصرية، تماما كما أن له الحضور ذاته لدى قيادات الدول الخليجية، وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي هذه الرؤية في أكثر من مناسبة، خلال الأيام القليلة الماضية، أبرزها لدى حديثه في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، وكذلك في حواره الموسع مع رؤساء تحرير الصحف القومية، حيث شدد مرارا على أن علاقة مصر بدول الخليج راسخة، محذرا من وجود محاولات لتخريب هذه العلاقة، لكن كل تلك المحاولات ستبوء بالفشل، كما باءت سابقاتها، ذلك أننا لسنا بإزاء علاقات عارضة أو «مصلحية وقتية»، بل هي روابط أزلية قديمة، وهي أيضا باقية وتزداد كل يوم متانة ورسوخا.
ولا يخفى على أحد أن محددات الرؤية المصرية ومرتكزاتها، سبق للرئيس السيسي أن أوضحها وتطرق إليها غير مرة، وهو لا يفوّت مناسبة للحديث إلا ويشدد عليها، حتى لا يدع فرصة للمزايدين أن يسعوا بالإفساد بين الأشقاء.. ونعتقد أن أحدا لا يمكنه أن ينسى ما أكده مرارا من أن «أمن الخليج خط أحمر» وأن «أمن الخليج لا ينفصل عن الأمن القومي المصري»، وأن العلاقات الأخوية والإستراتيجية بين مصر وأشقائها في الخليج «لا تتأثر بأى شيء, ولا توجد أى سحابة تعترى أجواء العلاقات بين القاهرة وعواصم دول التعاون».
لا ينفصل عن ذلك بالطبع ما لفت إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي من أن سياسة مصر الخارجية تتسم بالاعتدال والتوازن والانفتاح واستقلال القرار الوطني, وأن الإساءة إلى الدول الأخرى تتنافى مع البناء الراقي للشخصية المصرية الحديثة الذى يقوم على الالتزام والانضباط وحسن الخلق وسعة الصدر والتجاوز عن الإساءة أحيانا، وأن السياسة المصرية لها وجه واحد لا يتدخل فى شئون الآخرين ولا يتآمر على أحد.. ولا جدال في أن تلك أسس ثابتة في السياسة المصرية، منذ عرفها العالم كواحدة من الدول التي قادت سياسة «عدم الانحياز» على الصعيد الدولي.
أخيرا فإن التعاون الوثيق بين مصر ودول الخليج، يشكل ـ كما ألمح إلى ذلك الرئيس السيسي أيضا ـ «أرضية مناسبة لدعم العمل العربي المشترك» في وقت تحتاج الدول العربية فيه إلى المزيد من التماسك والترابط، وتعزيز التعاون بينها في كل المجالات. وما نلمسه ومعنا الكثيرون، أن القيادة المصرية حريصة على أن تصل بالعمل العربي المشترك إلى أقصى آفاق له، لإدراكها أن التحديات الإقليمية والعالمية تفرض ذلك، وأن أي دولة عربية لن تكون قادرة بمفردها على تحقيق ما تتطلع إليه من آمال وطموحات، وأن العمل المشترك هو السبيل الأمثل لإنجاز تلك الآمال والطموحات.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
إن مصر التي تتعافى بقوة الآن على كل صعيد، لجديرة بأن تتقدم لتتبوأ مكانتها اللائقة بها، كقاطرة للتقدم والتطور في كل الميادين، وكضمانة أساسية وحتمية لأمن واستقرار هذه المنطقة الحيوية والإستراتيجية من العالم.

Read Previous

الأمين العام لجامعة الدول العربية والسفير الخضير يستقبلان أحمد اسماعيل بهبهاني

Read Next

سمو الأمير: جائزة السميط رسالة سامية في العمل التطوعي

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x