إذا كانت هناك دول استطاعت أن تجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين قيم الآباء والأجداد، وأفكار ومنطلقات العصر الحديث، فلا شك أن دولة الإمارات العربية المتحدة، تأتي على رأس هذه الدول، فقد تمكنت منذ استقلالها عن بريطانيا، وإعلانها الاتحاد في ما بين إماراتها السبع عام 1971، أن تحقق هذا النموذج الذي يحلم الكثيرون بتحقيقه، ونعني به التمسك بالتراث العزيز على النفوس، وفي الوقت نفسه الانطلاق إلى أبعد مدى ممكن من التطور والتقدم والحداثة.
وفي كل مرة أزور فيها دولة الإمارات، فإن أول ما يتبادر إلى ذهني ذلك الشعار الذي بدأ أمريكيا، وتحول بعدها شعارا عالميا وهو «نعم نستطيع»، حيث يشعر المرء بأن هذه الدولة الفتية تجدد شبابها كل يوم، وأنها لا تعرف شيئا اسمه العراقيل أو المعوقات، بل إن مسؤوليها لا يعترفون بشيء اسمه عراقيل أو معوقات، ويرون في الاستسلام له والوقوف أمامه طويلا، نوعا من العجز الذي لا يليق بهم ولا بشعبهم أو بدولتهم.
ومن المؤكد أن نجاح الإمارات في ذلك مشهود وملموس، وفي كل يوم نرى له دليلا جديدا، ففيما لا تزال دول كثيرة في منطقتنا تدرس وضع خطط كفيلة بتطوير تشريعاتها لمواكبة التطورات الحديثة، وتهيئة السبل الكفيلة باجتذاب الاستثمارات الأجنبية، وإيجاد مناخ جيد ومشجع للتنمية والاستثمار، وتكوين قاعدة صناعية وانتاجية تساعد في كل ذلك، كانت الإمارات قد فعلت كل ذلك منذ سنوات طويلة.. ولذلك لم يكن مستغربا أن تكون الإمارات أيضا هي أولى دول المنطقة التي أكد الخبراء قدرتها على مواجهة تقلبات أسعار النفط، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أكدته كذلك تصريحات كبار مسؤوليها بأنها بدأت فعليا مرحلة «ما بعد النفط»، إذ لم يعد النفط هو المصدر الوحيد، أو حتى المصدر الأول للدخل لديها.. وهكذا كانت هي السباقة إلى تنويع مصادر الدخل، وإنهاء مرحلة الاعتماد على النفط كمصدر وحيد أو شبه وحيد للدخل.
فعلت الإمارات كل ذلك، وهي تحافظ على استقرارها السياسي والمجتمعي، في محيط إقليمي يموج بالاضطرابات والفتن، ويهدد أمما وشعوبا اختلت فيها التوازنات، وعجزت عن إيجاد المعادلة التي تحمي أمنها واستقرارها، وتحافظ لها أيضا على نموها وتطورها في كل مجالات الحياة.
لذلك فإننا عندما نحتفل مع الإمارات بيومها الوطني الخامس والأربعين، فإننا نحتفل بنموذج خليجي وعربي يستحق الاحتفاء والاحتفال، لانه يشكل بجدارة نموذجا متفردا في منطقته، بل إنه بات نموذجا رائدا وحريا بالاقتداء حتى على المستوى العالمي، وأصبح موضعا للدراسة والتحليل في مراكز الأبحاث والدراسات الغربية، لمعرفة كيف استطاعت هذه الدولة ان تنجز ما أنجزته ـ وهو كثير جدا وشامل لكل المجالات ـ في تلك العقود الزمنية القليلة منذ استقلالها، وحتى الآن.. والأروع من كل ذلك أنها تبدو غير مكتفية بما حققته، وترى نفسها أجدر وأقدر على تحقيق المزيد، والوصول إلى المستوى الذي يضعها في مصاف أرقى الدول، وأكثرها تطورا وعصرنة وارتقاء.
كل عام والإمارات الشقيقة ـ قيادة وحكومة وشعبا ـ بألف خير وتقدم وازدهار.