يتطلع العمانيون إلى مرحلة جديدة من مسيرة المجالس البلدية، حيث اجرت وزارة الداخلية العمانية انتخابات ناجحة في مختلف ولايات السلطنة يوم الاحد الماضي 25 ديسمبر لاختيار أعضاء المجلس البلدي للدورة الثانية في مختلف المحافظات.
وفي استطلاع أجرته صحيفة عمان) اكدت شخصيات عُمانية أهمية هذا المحفل المهم في تعزيز النهج الديمقراطي الذي ارساه السلطان قابوس بن سعيد، حيث قال الدكتور أحمد بن عبدالرحمن بالخير أستاذ الدراسات اللغوية المشارك وعميد كلية العلوم التطبيقية بصلالة حول ما إذا كان أعضاء المجلس البلدي المنتخبين على قدر كافٍ من تحمّل المسؤولية قائلا: من وجهة نظري أنهم على قدر كافٍ من تحمّل المسؤولية المنوطة بهم، وفي كل الأحوال نحن من أوصلهم إلى عضوية المجلس من خلال التصويت، مع الإشارة إلى أن الكفاءات العلمية والخبرات العملية لا يمكن لنا فصل أحدهما عن الآخر، فالكفاءة العلمية لدى الأعضاء تعمل على تحقيق أهداف المجلس البلدي إلا أن الشهادات العلمية وحدها لا تكفي وإنما من الضروري أن يكون العضو لصيقا بالمجتمع ومخالطا الناس وعارفا بالمشاكل ومحيطا بالبيئة التي يعيش فيها، ليكون لديه التصور الواضح عند تقديم المقترحات وكذلك حتى لا يغرد بأفكاره خارج السرب وبعيدا عن الواقع، فأفراد المجتمع بحاجة إلى أعضاء يشعرون باحتياجاتهم من الخدمات التنموية بمختلف أنواعها.
وحول ما إذا كان المجلس البلدي قد استطاع إنجاز ما أوكل إليه من تطلعات، قال الدكتور بالخير: إن التجربة الوليدة لإنشاء المجالس البلدية في السلطنة كفيلة بأن تواجه بعض الصعوبات في تحقيق ما ينشده المواطن، فعندما صدر قانون المجالس البلدية بموجب المرسوم السلطاني 116/2011 كان ذلك بداية لمرحلة جديدة من العمل الديموقراطي وترسيخ مشاركة المجتمع في البناء؛ ولأن هذه المرحلة الأولى للمجلس البلدي فكان بدهيا أن يواجه بعض العقبات شأنه شأن أي عمل جديد غير معهود. والمرحلة القادمة قد تكون أكثر صعوبة نظرا للظروف الاقتصادية التي تمر بها السلطنة كغيرها من الدول المصدرة للنفط، نظرا لاستمرار انخفاض أسعاره في الأسواق العالمية، ومن ثم يتوجب على المجالس البلدية الجديدة التنبه لهذه المرحلة ومراعاة سياسة الدولة في التعامل مع هذه الأزمة والتوازن بينها وبين متطلبات الولاية، أضف إلى ذلك العمل لزيادة الاستفادة من المشاريع التي أنجزها المجلس السابق والحفاظ على المال العام والحد من الإنفاق أيضا.
تجربة حديثة
القانوني والإعلامي الدكتور واصل بن عوض القعيطي قال: عندما نقيم نتائج الدورة الأولى للمجالس البلدية لا شك أن مرئيات القضايا المجتمعية التي تم عرضها حسب علمي كثيرة، لكن تحقيقها يحتاج إلى وقت وينبغي عدم الاستعجال إذا ما نظرنا إلى أنها تجربة حديثة ومازال المجتمع العماني لم يصل إلى النضج الكافي لاستيعابها رغم أنها امتداد للتجربة العُمانية في هذا المجال، وهذه التجربة على مر تاريخها أوجدت في صورتها الحالية ما يمكن تسميته بـ«ثالوث المجالس المُعينة والمُنتخبة: الدولة والشورى والبلدية»، وهي مجالس لها مهام واختصاصات ممنوحة وفق القوانين الخاضعة لها، والعمل فيها يشير إلى أنها تحوي تجارب تنمو وتنضج مع مرور الوقت وإن كانت ليست على مستوى المأمول فهي تعبر أولى سلالم مساهمتها في عملية التنمية، وتسير بخطوات في سبيل تأصيل حقها القانوني بالمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار، وذلك نابع من أن خصوصيتها التي تتمثل في وجود كافة أطياف المجتمع تحت سقف واحد، وهؤلاء جميعهم تم انتخابهم عبر صناديق الاقتراع، وهو ما يعطي مؤشرا أوليا على قرب عضو المجلس البلدي من احتياجات ولايته أو محافظته وملامسته للواقع المُعاش بشكل مباشر.
وحول نجاح هذه التجربة قال الدكتور واصل: أعتقد إن هامش النجاح مقرون إذا حضرت عمليتي «الرقابة» و«المتابعة» من قبل أبناء المجتمع أنفسهم قبل الجهات المعنية، وذلك أمر مهم، ويمكن عبره أن يشارك الجميع في البناء، لتحقيق المنشود ،ويبقى تقييم نجاح العضو مرهون بتقديم مقترحات قابلة للتطبيق في ظل المسموح به وفق المادة 6 من اختصاصات المجالس والمنبثقة من المرسوم السلطاني رقم 116/2011، ففهم العضو الواعي والمدرك لقضايا مجتمعة وقدرته على إقناع وتوصيل تلك المقترحات إلى صانعي ومنفذي القرار في مختلف المؤسسات العاملة في الدولة سيؤدي بلا شك إلى نتائج مرجوة، وكما يقال إذا أردت أن تضع شخصا ما في دوامة لا تنتهي فسلمه منصبا له علاقة بالجمهور ثم جرده من كافة الصلاحيات، حينها فقط يمكنك أن تذهب إلى أقرب تله وتشاهد المنظر من أعلى كيف سيكون!!
مراجعة شاملة
وأكد الدكتور واصل القعيطي أن هناك الكثير من الاحتياجات التي تنتظرها الولايات من أعضاء هذه المجالس المعروف إن أهداف اللامركزية الإدارية الإقليمية هو توزيع الوظيفة الإدارية وتخفيف العبء عن كاهل الحكومة المركزية وهي ركيزة أو دعامة أساسية لأنها ارتبطت من الناحية النظرية والتاريخية بالفكرة الديمقراطية وذلك لما تهدف إليه من إتاحة الفرصة لإشراك المواطن في إدارة شؤون مجتمعه المحلي، فمن وجهة نظري إن المجالس البلدية في حاجة إلى مراجعة شاملة من حيث توسيع صلاحياتها لتكون على شكل قرارات نافذة ودعم أعضاء المجالس معنويا وماديا، ووجود موازنة خاصة بها، لأن ما هو متاح الآن دور العضو اقتراح توصيات؛ ومعلوم أن التوصيات في العموم غير ملزمة، وهنا ينبغي إشراك المجالس البلدية في جميع مراحل المشاريع بدءا من التخطيط إلى التنفيذ حتى تكون إسهاماتهم قيمة بل وتساعد في تذليل بعض الصعاب للجهات المختصة وتبرز دورها وجهودها من خلالهم.
ورأت الدكتورة جميلة بنت سالم عبود الجعدية استاذ مساعد بقسم المتطلبات العامة بكلية العلوم التطبيقية بصلالة فقالت: أرى أن المنتخبين للمجلس في دورته الأولى كانوا فعلا على القدر الكافي من المسؤولية إذا أخذنا بعين الاعتبار نقطتين أساسيتين: أولهما أنها المرحلة الأولى لهم، وأنهم من يمهد الطريق لمن سيأتي من بعدهم، والعمل في خدمة المجتمع والوطن لا يبنى أبدا في مرحلة أو مرحلتين، ولكن تؤتي أُكله من تراكم هذه المراحل، وتنوع الخبرات، وتواتر الكفاءات على المجلس الواحد، والثانية أن الصلاحيات المعطاة لهم ما زالت ضئيلة جدا. وأكدت الدكتورة الجعدية بأن الشهادات العلمية والخبرات العملية ضرورية في مثل هذه المناصب الحساسة؛ وترجح كفة الشهادة العلمية إن قمنا بمقارنة بين مرشحين يحمل أحدهما شهادة علمية أكاديمية ويحمل أحدهما الخبرة العملية فقط، فالعلم هو السلاح الذي تتواجه به الأمم حاليا. والشرط المهم هو أن يكون العضو المنتخب يحمل هم ولايته، عالما وعارفا بكافة دقائقها واحتياجاتها، قادرا على وضع الخطط الملائمة لحل مشكلاتها والبحث الدؤوب عن مصلحتها والسعي في تحقيقها، قد يكون العضو يحمل مؤهلا علميا وخبرة عملية ودفقا من المحبة لمجتمعه فينجز مهامه على خير وجه، وهذا هو المنشود.
أما خالد بن علي آل إبراهيم باحث في شؤون المجالس البلدية فقال: هنالك ثلاث جهات رئيسية ترتبط بعمل المجالس البلدية، وتؤثر في نتائج أعمالها، الأولى هي الإدارات الحكومية الرسمية التي تحدد اطر عمل المجالس وصلاحياتها وقدرتها على تأدية مهامها بالشكل المطلوب، والثانية هي المجالس ذاتها بأعضائها ـ المنتخبين والمعينين ـ وفهمها لمهامها ودورهم نحو خدمة المجتمع والمواطن، والثالثة هي الناخبين وعموم المواطنين بشكل عام ودورهم في متابعة أعمال المجالس والتفاعل معها. من ناحية الإدارات الحكومية، فقد كان لتأخير إعلان بدء أعمال المجالس البلدية تراجع تفاعل الناخبين وحتى الأعضاء المنتخبين حول العمل البلدي بشكل عام فقد كانت هنالك حماسة عالية جدا اثر انتخابات المجالس البلدية الأولى في السلطنة، وعلق الكثير من المواطنين على أثرها آمالا كبيرة على المجالس البلدية التي شعروا انه من خلالها يمكنهم العمل على تطوير وتحسين الخدمات البلدية وتصحيح الأوضاع السائدة بكل ما يتعلق بالجانب الخدمي. وأكد خالد آل إبراهيم أنه برزت مجموعة من الإشكالات الإدارية والقانونية في العلاقة بين المجالس البلدية والأجهزة التنفيذية ساهم بكل تأكيد في تقييد صلاحيات عمل المجالس وبروز إنجازاتها ونتائج قراراتها. أولى هذه الإشكاليات ترتبط بعدم وجود جهاز إداري رسمي يشرف بشكل فعال على عمل هذه المجالس ويتابع احتياجاتها ومتطلباتها ويعالج الإشكالات التي تعترضها، وبالتالي يعزز من صلاحيتها ودورها. حيث برزت مجموعة من التعارضات في التعاطي مع الجهاز التنفيذي بسبب تحفظات بعض المسؤولين فيه، ولم تجد المجالس أمام مثل هذه الحالات ـ في معظم الأحيان ـ إلا البحث عن حلول وسط أو تأجيل بعض قراراتها.
أهمية كبيرة
من جانبها قالت منى بنت محمد آبوت جعبوب مدربة معتمدة من الأكاديمية الدولية للتدريب والتطوير ومعلمة في مدرسة خولة بنت حكيم للتعليم الأساسي بصلالة: إن للمجلس البلدي أهمية كبيرة والدور المتوقع أن يقوم به لابد أن يتناسب مع الآمال المعقودة عليه خاصة في هذه المرحلة التي تشهد فيه البلاد تطورات ومتغيرات على مختلف المستويات خاصة في الجوانب المتعلقة بإشراك المواطنين في عملية صنع القرار.
وأضافت قائلة: إنّ إنشاء المجلس البلدي يعد خطوة جيدة للأمام، لكن لابد من منح صلاحيات للمجلس البلدي يستطيع من خلالها تقديم الرؤى وتفعيلها لصالح المواطن، إذ إنّ عضو المجلس البلدي لابد أن يحظى بشراكة حقيقية مع الحكومة وأن يقوم بدراسات وأبحاث معمقة حول الظواهر المتعددة في المجتمع وإيجاد الحلول المناسبة لها، ونشر وعي مجتمعي عميق تجاه القضايا الوطنية، كما أنّ عضو المجلس البلدي لابد أن يتمتع بكافة مقومات البحث حول قضايا المُجتمع لمساعدة الحكومة على مواجهة كافة العراقيل التي تواجه المجتمع. وأكدت على أهمية اختيار الكوادر المؤهلة بصرف النظر عن وسيلة وطريقة الاختيار إن كانت عبر تكتلات أو تجمعات أو أي صيغة اجتماعية أو مناطقية، فالعبرة في النهاية بالنتيجة وما تفرزه هذه القواعد الانتخابية من أعضاء، فتأثير المجلس البلدي يعتمد على كفاءة وقدرات أعضائه وهذا الأمر بدوره يعتمد على المجتمعات المحلية صاحبة القرار في عملية اختيار من يمثل مصالحها ومن هنا تقع المسؤولية على النخب المتعلمة والمثقفة والواجهات الاجتماعية في أن تغلب المصلحة العامة في عملية اختيار المترشحين إن كانوا ضمن تكتلات أو تجمعات انتخابية وذلك حتى نضمن أن كل تكتل أو تجمع انتخابي دفع بأفضل عناصره وكفاءاته المتاحة.