من حق الشعوب العربية أن تحلم بالحرية والديموقراطية، وترسيخ حقوق الإنسان، لكن ذلك كله ينبغي أن يكون مقترنا بوجود الأمن والاستقرار، لأنه من دونهما لا يمكن لأي دولة أن تنعم بأي حرية أو ديموقراطية، فضلا عن أن تضمن لشعبها العيش الكريم.
ومن المؤكد أن شعوب المنطقة قد وعت هذا الدرس جيدا، وهي ترى مع مرور الذكرى السادسة لما عرف باسم ثورات الربيع العربي، أن هذا الربيع قد تحول إلى «خريف» مجدب وقاحط، مع انتشار الفوضى والتخريب وعدم الاستقرار، في العديد من الدول التي شهدت مثل تلك الثورات، كما حدث ولا يزال يحدث في سورية وليبيا واليمن، وكما كان ممكنا أن يحدث في دولة كبيرة ورائدة بحجم مصر، لولا تدخل قواتها المسلحة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، لمساندة انتفاضة الشعب المصري في 30 يونيو من العام 2013، لتصحيح المسار السياسي، واستعادة الشرعية الدستورية، وبناء دولة المؤسسات التي تعرضت لهزة كبيرة وخطيرة، خلال السنتين اللتين أعقبتا ثورة 25 يناير، مما مكن مصر من تجنب الانزلاق إلى هوة انعدام الأمن وغياب الاستقرار، التي انحدرت إليها دول عديدة في المنطقة، ولم تعد تدري كيفية الخروج منها.
لقد أدركت كل الشعوب العربية الآن أنه ليس هناك أفضل من انتهاج الإصلاح التدريجي، لتصحيح الأوضاع القائمة، وتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. ولعل تجربة دول مجلس التعاون الخليجي في هذا المجال، قد أثبتت أنها الأفضل والأكثر نجاعة، والأبعد عن المخاطر ، فقد نجحت دول المجلس في أن تقدم نموذجا رائعا ورائدا للتطور السياسي الذي يواكب العصر، ويحتفظ في الوقت نفسه بخصوصيته، ويحقق قدرا كبيرا من المكاسب الديموقراطية والحقوقية، لكنه يحافظ أيضا على أمن دوله ومجتمعاته واستقرارها، في إطار الوعي بأن ذلك وحده هو الكفيل ليس فقط بضمان استمرار الديموقراطية والحريات، وإنما هو الكفيل كذلك بتوفير البيئة الملائمة لإنجاز التنمية الاقتصادية، التي يفترض أن تكون الهدف الأول والأساسي لأي دولة، في كل زمان ومكان.
لم يعد أحد قادرا، بعد كل ما جرى، أن يخدع الشعوب العربية بمجرد شعارات براقة، أو إقناعه بأن السراب يمكن أن يكون ماء، مهما اشتد لمعانه وبريقه.