لم يكد يمضي شهران على افتتاح الفصل التشريعي الجديد، لمجلس الأمة الجديد، حتى قعقعت سيوف الاستجوابات ليسمع صداها في كل أنحاء الكويت، بل وخارجها أيضا. ولسنا هنا في وارد الاعتراض على مساءلة الحكومة عن سياساتها وأدائها، أو مصادرة حق النواب الذي كفله لهم الدستور، لكننا نعتقد أن من حقنا كمواطنين أن نتساءل: أين الكويت من كل ما يحدث؟!
نعم نعرف أن للنواب حقوقا دستورية تتيح لهم مراقبة السلطة التنفيذية، لكننا نعرف أيضا أن العمل السياسي – سواء في الكويت أو في أي دولة أخرى في العالم ـ ليس مبنيا فقط على النصوص الدستورية أو القانونية، بل إن هناك دائما مواءمات سياسية، تلعب دورا كبيرا في توجيه دفة الأداء للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وضبط بوصلتهما باتجاه معين. ولا يجادل أحد في أن بوصلة الكويت ينبغي أن تكون لها وجهة واحدة هي التنمية، التي جرى تغييب الاهتمام بها طويلا، في مجالس سابقة، لحساب أشكال من التصعيد السياسي الذي نشهد مثيلا له هذه الأيام، مع أن الكل يعرف مسبقا أن النتيجة الحتمية لذلك، هي خسارة الجميع، من خلال تراجع الاقتصاد وانحسار حركة الاستثمار واهتزاز التنمية، ومن ثم لا تصبح هناك قيمة لأي عمل سياسي أو برلماني، مهما كان حجم الضجيج الذي يحدثه ذلك العمل.
لقد استبشر المواطنون بالمجلس الحالي، ورأوا فيه نفسا جديدا يدعو إلى التفاؤل، ويجمع بين حماس الشباب وحكمة الكبار والمخضرمين في العمل البرلماني، وتوقعنا أن يكون لذلك مردود طيب على الأداء، نراه واقعا متحققا عبر إصدار الكثير من التشريعات التي تترقبها الكويت، وتحتاج إليها حاجة ماسة، من أجل تهيئة الأرضية لحركة تنموية قوية وحتمية، تنقلنا إلى عصر ما بعد النفط، وتمهد لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتشجع القطاع الخاص على المشاركة الحقيقية والفاعلة في عملية البناء والنهضة وصناعة المستقبل المأمول لهذا الوطن. لكن ما جرى بالفعل غير ذلك تماما، فقد رأينا سباقا محموما نحو توجيه الاستجوابات، وإصرارا على أن يكون الاستجواب مصحوبا بطرح الثقة في الوزير، بكل ما يعنيه ذلك من تأزيم سياسي، وتوتير الأجواء، وإعادتنا مجددا إلى حالة الاحتقان التي عانينا منها كثيرا.
إن السياسة ليست نصوصا جامدة في كتاب، وإنما هي واقع حي ومتحرك، يراعي المواءمات، وينظر إلى مصلحة الدولة أساسا، فيفعل ما فيه هذه المصلحة، وينأى عن كل ما يضرها.. وهذا ما نتمنى أن نراه في المرحلة المقبلة، لكي نقدم للعالم صورة مقنعة، بأننا بلغنا بالفعل مرحلة من النضج الديموقراطي، البعيد عن المراهقة السياسية والتكسبات الانتخابية.. ولا يزال هذا الأمل قائما، رغم كل ما شهدناه من قصور وسلبيات، خلال الفترة القليلة الماضية.