من الضروري قراءة مضمون الكلمة التي وجهها نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي سمو الشيخ محمد بن راشد، إلى القمة العالمية للحكومات، واستخلاص أهم المضامين والرسائل التي اشتملت عليها، لأن بها الكثير مما يشكل مرتكزات أساسية للنهضة المنشودة، ليس فقط لدول مجلس التعاون الخليجي، بل أيضا لكل الدول العربية.
وأول ما ينبغي أن نتوقف طويلا أمامه هو قوله: «إن النجاح لا يقاس بحجم السكان، ولا بالثروات النفطية، لكن بالإرادة والإدارة»، فهاتان الكلمتان «الإرادة والإدارة» هما بلا شك مفتاح السر لنجاح أي دولة، ومن دونهما لا يمكن تحقيق أي تنمية، أو بناء قاعدة قوية للاقتصاد، ولا إحراز تقدم في أي مجال آخر من مجالات الحياة.
وإذا كان سمو الشيخ محمد بن راشد قد أفرد مساحة من كلمته، للحديث عن تجربة الإمارات، فهو حديث مستحق، فهذه الدولة الفتية لا تكف عن إبهار العالم كله، وليس المنطقة وحدها، بما تحققه من قفزات تنموية مدهشة، كان الأساس فيها بالفعل هو الاستثمار في البشر، فالإمارات لا تملك نفطا أو ثروات طبيعية، أكثر مما يملكه غيرها من الدول، لكن نجاحها الحقيقي بالفعل هو قدرتها على توظيف طاقات أبنائها، وغرس الثقة فيهم وفي قدراتهم ومواهبهم، ومن ثم فقد رأينا كيف استطاعت هذه الدولة في سنوات قليلة أن تحقق ما يعتبره الكثيرون معجزة اقتصادية وتنموية واستثمارية، فيما ينظر قادتها إلى الأمر من منظور آخر، معتبرين أن تجربتهم قابلة للتكرار في سائر دول المنطقة، إذا أخذت تلك الدول بما أخذت به الإمارات من أسباب للنهوض والتقدم.
لا يقل عن ذلك أهمية، ما لفت إليه سمو الشيخ محمد بن راشد، من ضرورة الاهتمام بالشباب، ومنحه الفرصة الكافية في المواقع القيادية، وتأهيله جيدا لكي يسهم بفاعلية في تطوير دولته ومجتمعه.. وبالقدر نفسه يمكن الحديث أيضا عن دور المرأة، وحتمية تفعيل هذا الدور، إيمانا بما تستطيع المرأة أن تقدمه وتسهم به، ونحسب أن التجربة الإماراتية كافية لتدلل على ذلك بوضوح، وتكفي الإشارة إلى أن العمل الشبابي فيها تقوده وزيرة استحقت بجدارة إشادة مسؤوليها، وثنائهم على ما تؤديه لدولتها ومجتمعها وهي تتولى قيادة وزارة الشباب.
أخيرا فإن أحدا لا يختلف بالطبع مع ما ذهب إليه سمو الشيخ محمد بن راشد، من أن الأمة العربية قادرة على استعادة نهضتها من جديد، والإسهام بدور كبير في الحضارة الحديثة، كما كانت تفعل في عصور سابقة، بشرط أن تأخذ بما أخذت به الأمم التي سبقتها في مضمار التقدم والتطور، وأن تتخلص من الآفات المعيقة لتقدمها كالفساد والإرهاب والتواكل والكسل.. عندها ـ وعندها فقط ـ يمكن لها أن تسابق الأمم، وأن تسبقها أيضا، نهضة وتحضرا وارتقاء.