لا نبالغ إذا قلنا إن معظم الشعب الكويتي كان مستبشرا بمجلس الأمة الحالي ، فقد رأى فيه برلمانا يتمتع بالحيوية ، ويجمع بين خبرة النواب المخضرمين ، وحماس وطاقة زملائهم الشباب . وبدأنا جميعا نترقب أداء برلمانيا متوازنا ، يجمع بين المهام الرقابية والتشريعية ، ويمنح الأخيرة اهتماما أكبر ، استنادا إلى أن لدينا شكوى دائمة من وجود قصور تشريعي ، وحاجتنا الماسة إلى تشريعات جديدة تسهم في دفع الحركة الاقتصادية والتنموية ، وتشكل عامل جذب للمستثمرين الكويتيين والأجانب . لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، بل حدث ما هو عكسه على طول الخط ، إلى حد دفع رئيس مجلس الأمة لأن يصارح الجميع بخطورة هذا الوضع ، ويقول بوضوح إن المجلس منذ بداية انعقاده لم يصدر قانونا واحدا حتى الآن. وهو بالفعل أمر غريب ، ويستحق أن يثير اهتمام ليس فقط النواب ، بل ناخبيهم أيضا ، لغرابته وعدم معقوليته .
لقد سبق أن أكدنا مرارا أن أحدا لا يستطيع أن ينازع النواب حقهم في أداء دورهم الرقابي ، واستخدام أدواتهم الدستورية ، لمحاسبة الحكومة وكشف التجاوزات التي يرونها في أي جهة أو مؤسسة ، لكن بشرط أن يكون ذلك مرهونا بأمرين أساسيين، أولهما أن يكون رائد الجميع وهدفهم هو تحقيق المصلحة العامة، بعيدا عن أي مصالح أو منافع شخصية وحزبية وفئوية، والثاني هو ألا تتحول المسألة كلها إلى مجرد ضوضاء وضجيج إعلامي ، واستعراض للعضلات السياسية ، من أجل التكسب الانتخابي ليس إلا .. وفي زحمة ذلك تضيع وتتبدد بالطبع أي مصالح عامة ووطنية ، وتصاب التنمية لدينا بانتكاسة كبيرة، ونظل نراوح مكاننا ، ولا نتقدم أي خطوة إلى الأمام .
إن أخشى ما نخشاه هو أن تقود تلك الممارسات السلبية ، الى تنفير الناس من الديمقراطية برمتها ، لاسيما عندما يتطلعون حولهم ، فيكتشفون أن الدول التي لا تنعم بمثل ما ننعم به من ديمقراطية ، قد سبقتنا كثيرا في مضمار التنمية والتقدم ، وبات قصارى ما نطمح إليه هو ان نتمكن من ملاحقتها .. وهو شعور مرير ، ونحن ندرك أنه ظلم كبير للديمقراطية ، وتجن عليها ، فهي ليست المسؤولة عما وصلنا إليه ، بل تقع المسؤولية على ممارستنا الخاطئة لها ، وإصرارنا على تشويهها والانحراف عن جوهرها الحقيقي . ونتمنى أن يدلنا أحد على برلمان في العالم ، يحدث فيه ما يحدث عندنا .. فحتى الكونغرس الأمريكي الذي يكاد أعضاء الحزب المعارض فيه يكونون مساوين تماما لأعضاء الحزب الحاكم ، لا يحدث فيه مثل هذا الاختلال الواقع عندنا ، بل يحافظون دائما على قدر كبير من التعاون المشترك، ويدركون أن وراءهم ناخبين سيحاسبونهم حسابا عسيرا ، اذا هم أخلوا بهذا التعاون أو فرطوا فيه .
إننا لا نطلب المستحيل ، حينما نشدد على ضرورة التوازن في الممارسة النيابية، وأهمية التعاون بين السلطتين ، من أجل مصلحة الكويت ومصالح شعبها اولا وأخيرا .. فهل من مستجيب ؟!