ربما لم يقتنع نوابنا، بعد 56 عاما من العمل البرلماني، ان مهمتهم التشريع والرقابة، وليس الحكم الذي هو من اختصاص صاحب السمو الامير تعاونه السلطة التنفيذية، أي الحكومة، وأن ليس للنواب حق التعدي على صلاحيات مجلس الوزراء أو رئيس الدولة، بل وفقا للمادة 51 من الدستور فان «السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور»، والمشرع قدم صاحب السمو الأمير على مجلس الأمة، ولم يقدم النواب عليه، لكن للأسف فإن الخروج النيابي المستمر على هذه المادة وصل في بعض الاحيان إلى حد ممارسة ديكتاتورية نيابية لاغية لكل السلطات الأخرى، وفي الوقت نفسه غير متحملة مسؤولية تعديها عليها.
استنادا إلى هذه الحقيقة، فإن أي وعود قدمها النواب أثناء حملاتهم الانتخابية تعتبر احتيالا على الناخبين، لأنهم وعدوا بما لايملكون، أكان لجهة إعادة الجنسيات التي هي حق دستوري سيادي خالص للسلطة التنفيذية لا ينازعها فيها احد، أو حتى في ما يتعلق بمنع إقرار الضرائب ورفع الدعم.
مناسبة هذا التذكير بالأسس الدستورية لتوزع الاختصاصات بين السلطات هو الممارسات النيابية التي أدت في الفترة الأخيرة إلى ما يشبه تعليق الدستور بطريقة غير مباشرة، من خلال ما أعلنه بعضهم من تعهدات بعدم استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء مقابل إعادة الجناسي، وتزييفهم الواقع حين أطلقوا سلسلة من التصريحات عن إعادة الجنسيات، وهو ما نفته الوقائع، خصوصا ما يتعلق بتكليف صاحب السمو الأمير رئيسي مجلسي الأمة والوزراء بدراسة ملف الجنسيات، ولم يكن هناك أي وعد بإعادتها بما يخالف القانون والدستور.
أيضا تلويح النواب باستجواب سمو الرئيس، أو أي من الوزراء إذا لم تتحقق مطالبهم وشروطهم، وهي في الحقيقة مخالفة للقوانين، أكان لجهة التعيينات أو الانصياع لرغبة بعضهم في عدم اتخاذ أي اجراءات للإصلاح المالي، وسعيهم إلى استمرار الهدر على الدعم الذي أثقل كاهل المالية العامة ويتسبب بعجز متراكم، وهو لن يبقى عند حدود سبعة مليارات دينار سنويا، لأن التزايد الطبيعي بعدد السكان يعني ارتفاع كلفة الرعاية.
لا شك ان النهج النيابي المتبع في ربع القرن الأخير تسبب بفوضى هائلة في التشريع والرقابة، ورسخ ممارسات تكاد تصل إلى حد تعمد افشال الدولة، وتعميم الكسل في إنتاجية الموظفين المحتمين بـ«الواسطة» النيابية، أكان في ما يتعلق بإغداق البدلات والكوادر التي رفعت الباب الاول من الميزانية إلى حد كارثي، يؤدي في حال استمراره، إلى أن تسجل عجزا يصل إلى نحو 35 مليار دينار في العام 2020، في المقابل فإن الإنتاجية تقارب الصفر، والدورة المستندية هي الأطول في العالم، فيما هناك اقتراحات نيابية ما أنزل الله بها من سلطان، مثل الوعد بمنح ورواتب للعاطلين من العمل الذين استمرأوا تقاضي البدلات عن نومهم في منازلهم.
للأسف، لم ينظر النواب إلى الأزمة التي تعصف بالاقتصاد العالمي وتؤثر سلبيا على الكويت، بل هم يحاولون أقصى جهدهم شراء مناصبهم النيابية من خلال الوعود المخالفة للمنطق والعقل والدستور والقانون، وكأنهم هم الحكام ولا توجد سلطة تنفيذية مسؤولة تتولى إدارة البلاد ويراقبها مجلس الأمة الذي يتفنن نوابه بالفذلكات عن محاربة الفساد وفي الحقيقة هم يفسدون الدولة يوميا، بل يكرسون الفساد ويحمونه.